شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 256

وتقريب العجز عن الشكر آت هنا ، فلا نعيده .
قال سيِّد الساجدين : «وكلّ مقرٍّ على نفسه بالتقصير عمّا استوجبت» . ۱
إلى غير ذلك ممّا هو أوضح من الوضوح ، وفي متون القلوب وحواشي الصدور مشروح .
ثمّ استأنف صلى الله عليه و آله وسلم سؤالين آخرين استشفع فيهما بصفة الربوبيّة في صورة النداء لمناسبة أنّ أحدهما من عالم الملكوت ، والآخر من الملك ، وكلّ منهما يستدعيان مالكا وهو الربّ تعالى ، فقال :
(وَأسألُكَ ياربِّ ) . اختار التصريح بالنداء من دون تعويض ؛ أمّا لفظا ، فلأنّ التعويض مختصّ بلفظ اللّه ، وأمّا معنىً ، فلأنّ صفة الربوبيّة المدلول عليها باسم الربّ أمرٌ معلوم ، فصحّ أن يطلب صراحا ، وينادى كفاحا ، بخلاف الاسم الجامع الدالّ على الذات المقدّسة ؛ فإنّ مسمّاه أمرٌ مبهم وسرٌّ خفيّ ، فكأنّه لا يحقّ نداءه حقيقة ، والقدر المعلوم منه يناسبه عوض حرف النداء ، وقد تقدّم الإشارة إليه في فواتح الشرح.
واختار من حروفه «يا» لأنّها ـ على ما قيل ـ مشتركة بين القريب والبعيد والمتوسّط ، ۲ وقيل : وضعها للبعيد حقيقةً أو حكما ، وقد ينادى بها القريب . ۳
وبالجملة ، فهي أعمّ حروفه ، فناسب أن ينادى جلّ شأنه بها ؛ إذ هو بعيد من جهة أنّه لايدركه البصر الحديد ، والوهم السديد ، وقريب أقرب إلينا من حبل الوريد ، فهو قريبٌ في بُعده ، وفي قربه بعيد. والربّ يُقال للمالك والسيّد والمدبِّر والمربِّي ، فإنّه يُقال : ربّه وربّاه بمعنى .
قال الراغب : هو في الأصل التربية ، أي إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام ، فهو مصدر مستعار للفاعل . ۴

1.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۱۶۲ ، الدعاء ۳۷.

2.حكاه عن بعض في مغني اللبيب ، ج ۱ ، ص ۴۸۸.

3.قال به ابن هشام في مغني اللبيب ، ج ۱ ، ص ۴۸۸.

4.مفردات ألفاظ القرآن ، ص ۳۳۶ (ربب).

صفحه از 280