خصوصا. و لا ريب أنّه في الغالب لا يسلم حقّ من عروض شبهة؛ امتحانا للعباد و تشديدا للتكليف، كما تقدّم و كما هو الحكمة في حقّ إبليس و بعض الشهوات، غير أنّ من كانت نيّته صحيحة و غرضه تحصيل الحقّ من غير تعصّب و لا حميّة تحقّق له الحقّ و زهق الباطل؛ «إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً» . ۱ نسأل اللّه العصمة بسلوك سبيل أصحاب العصمة.
الفصل التاسع : في ذكر منشإ هذه الشبهة و طريق الاحتراز منها و من مثلها
أقول: منشأ ذلك أنّه قد اشتهر قراءة القرآن على وجه الترجيع، و كذلك الأذكار و بعض الأشعار ممّن ينسب إلى الزهد و الصلاح و يميل إلى التصوّف؛ تعلّلا بأنّ مثل ذلك ليس بغناء و أنّه مخصوص بمجالس الخمور تقليدا للغزّالي و أمثاله من العامّة، أو بناء على أنّ الغناء ما اشتمل على الألفاظ الدائرة بين أهل الموسيقى في التقطيعات، لكن لا بحيث تشمل الأفراد المذكورة، أو على أنّ الغناء راجع إلى العرف و هذا لا يسمّى في العرف غناء، أو على أنّ حقيقة الغناء مجهولة لنا، و لم يثبت أنّ هذه الأفراد غناء و أصل الأشياء على الإباحة.
و الجواب عن الجميع ظاهر بعد ما تقدّم؛ فإنّ علماء العربية من أهل اللغة و الفقه و غيرهم قد فسّروا الغناء، كما عرفت، و لا سبيل إلى معرفة معاني الألفاظ العربية خصوصا للعجمي إلّا بالنقل عنهم، و من لم يقبل ذلك فقد كابر و جازف و ظهر سقوط قوله و بطلان دعواه. و جميع ما تقدّم دالّ على تحقّق الغناء بما ذكر في القرآن و غيره، و تحريمه مطلقا. و قد قال الجوهري: «إنّ ما يسمّيه العجم دو بيتي غناء». ۲ و كثير من الأشعار المذكورة يصدق عليها ذلك، و قد صرّح فقهاء الإماميه ـ كما عرفت سابقا ـ بشمول الغناء لما ذكر هنا من الأذكار و الأشعار و القرآن. و نحو ذلك تصريح جماعة
1.الإسراء (۱۷): ۸۱ .
2.لم نجده فى مادّة «غنى» من الصحاح المطبوع حديثا.