شرح حديث "رجِّع بالقرآن صوتك..." - صفحه 305

قد تكون غناء فتحرم، و قد لا تكون فتحلّ، فالضابط هو صدق الغناء بالترجيع أو دلالة العرف. و قد صرّح علماؤنا بعموم التحريم في القرآن و غيره؛ عملا بهذا الحديث و ما في معناه من الأحاديث العامّة و الخاصّة و الأدلّة السابقة.
و هذا الحديث يدلّ على تحريم الغناء في القرآن، بل و في غيره أيضا، كما لا يخفى على من له معرفة بتراكيب الكلام العربي في مثله، و الإضافة بيانية؛ لأنّ ذلك الترجيع هو الغناء، و هو أيضا اللحن المخصوص. فمعنى ترجيع القرآن ترجيع الغناء: التغنّي بالقرآن كما يتغنّى بغيره، و حاصله ترجيع القرآن ترجيعا هو الغناء، لا ترجيعا يشبه ترجيع الغناء، فاعتبار التشبيه ليس هو من جهة تركيب اللفظ، بل هو بيان للمعنى الذي قلناه، و ذلك لشهرة الغناء في غير القرآن و ظهوره، على أنّه يمكن اعتبار التشبيه، فالمعنى: ترجيعا مثل ترجيع الغناء المتعارف بين أكثر الناس كونه غناء الحاصل بالترجيع الخاصّ، فيكون ترجيع القرآن مثله في كونه غناء و كونه محرّما، فلا يقتضي التشبيه المغايرة، بل إلحاق هذا الفرد المشتبه بالغناء المتعارف لتحقّق الموجب لصدق الغناء فيهما، و هو الترجيع الخاصّ و الواسطة غير معقولة؛ لما تقدّم من أنّه إمّا أن يصدق عليه تعريف الغناء أو لا، و لاعترافهم بأنّ مثله غناء، كما تقدّم نقله عنهم، و يأتي لذلك مزيد تحقيق إن شاء اللّه تعالى.
و ما يتوهّم من إشعار الحديث بأنّ الترجيع قد يكون غناء و قد لا يكون يردّه:
أوّلا: أنّ الأقرب المتبادر إلى الفهم هنا كون الإضافة بيانية، كما قلنا.
و ثانيا: أنّه لم يكن الترجيع و الغناء معهودين متعارفين في القرآن أصلا، كما هو معلوم من هذا الحديث و غيره، و قوله: «سيأتي من بعدي أقوام، إلخ» يدلّ عليه. فيكون المراد أنّ الذين يأتون بعدي يرجّعون القرآن مثل ترجيع هذا الغناء المعهود المتعارف في الشعر و نحوه.
و ثالثا: أنّ الكلام في الترجيع الذي هو غناء، و أكثرهم فسّروه ب «الصوت المشتمل على الترجيع المطرب». فعلى هذا قد يكون الترجيع غناء و قد لا يكون، و المطلب

صفحه از 348