شرح حديث "رجِّع بالقرآن صوتك..." - صفحه 309

أنّ ترجيع الصوت في النوح و غيره لمّا كان يقتضي زيادة الحزن ـ كما يقتضي زيادة الحسن ـ جاز أن يستعمل في مطلق الصوت الحزين، و يكون استعارة تبعيه ـ كما مرَّـ و يخصّ بما لا يرجّع الترجيع الحقيقي؛ لدلالة الدلائل القطعية على تحريمه، كما مضى و يأتي، إن شاء اللّه تعالى.
و ثامنها و تاسعها: أن يكون الترجيع استعارة أيضا لكن بمعنى التبيين ـ كما ذكره بعض علمائناـ أو بمعنى جعله بحيث يؤثّر في القلب من حيث إنّ الترجيع يستلزمهما غالبا، فأطلق على التأثير أو على التبيين الحاصلين بدونه. و قد روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه (عزّ و جلّ): «وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا»۱
قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام : «بيّنه تبيينا، و لا تهذّه هذّ الشعر، و لا تنثره نثر الرمل،و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، و لا يكن همّ أحدكم آخر السورة.۲
و لا ريب في أنّه يجب حمل الترجيع على بعض المعاني المأمور بها بحسب الإمكان، و لا يجوز حمله على المعنى المنهيّ عنه.
و عاشرها: أن يكون مخصوصا بالترجيع الذي لا يصل إلى حدّ الغناء، أعني ما ليس بمطرب، فلا يصدق عليه الغناء، و لا ينافي تحريمه جواز ما دونه. و هذا و إن كان قريبا، لكن بعض علمائنا عرّفه بالصوت المشتمل على الترجيع و إن لم يطرب، ۳ و ادّعى بعضهم التلازم بين الترجيع و الطرب. ۴ و هو غير بعيد عن الاعتبار، و لعلّ الوصف للتوضيح. و في القاموس: «الغناءـ ككساءـ من الصوت ما طرّب به»، ۵ و هو يدلّ على اعتبار الوصف، فإن لم يكن ملازما فهو كالتعريف الأوّل. و الحاصل أنّه مع اجتماع الترجيع و الطرب يتحقّق الغناء بإجماع الفقهاء و اللغويين و العرب.

1.المزّمّل (۷۳): ۴.

2.الكافي، ج ۲، ص ۶۱۴، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن، ح ۱.

3.مسالك الأفهام، ج ۲، ص ۱۲۶.

4.رسالة فى تحريم الغناء، للمحقّق السبزوارى، المطبوعة فى هذه المجموعة، ص ۳۸ .

5.القاموس المحيط، ص ۱۷۰۱، «غني».

صفحه از 348