شرح حديث "رجِّع بالقرآن صوتك..." - صفحه 310

و حادي عشرها: أن يكون المراد بالترجيع في الصوت ترديده من مخرج حرف إلى مخرج حرف آخر، أي إخراج الحروف من مخارجها كما ينبغي من غير أن يكون النطق بواحد منها مشابها للنطق ب آخر، فيكون حاصل الترجيع بيان الحروف في النطق بيانا تامّا؛ فإنّه يستلزم التلطّف في رجوع الصوت و ترجيعه من كيفية إلى أخرى و من مخرج حرف إلى مخرج آخر، و لا يلزم تحقّق الغناء و لا الترجيع المبحوث عنه. و هذا قريب عند التحقيق من الثامن و بينهما فرقّ ما.
و ثاني عشرها: أن يكون المراد بترجيع الصوت بالقرآن ردّه باشتغاله بالقرآن عن الشعر و الغناء و نحوهما، فيكون أمرا بالاشتغال به عن غيره، و الرجوع عن غيره إليه؛ لأنّ صاحب الصوت الحسن يستعمله غالبا في الغناء، فأمر بالرجوع عنه إلى قراءة القرآن لا على وجه الغناء، فيرجع إلى معنى الرجوع و يناسب بعض ما سبق. و كذا قوله: «يرجّع به ترجيعا» و يكون الضمير للقرآن، يعني إنّ اللّه يحبّ الصوت الحسن الذي يردّه صاحبه عن المحرّمات و يستعمله في العبادات كقراءة القرآن على الوجه المشروع المباح.
فهذا ما خطر بالبال من الاحتمال ]في [تأويل الحديث، و إن نوزع في بعضها بأنّه بعيد فأكثرها قريب سديد. و إذا سلم منها محمل واحد صحيح فهو كاف، فكيف و الجميع متّجه شاف، و لعلّ الوجه البعيد في بعض الأنظار قريب في غيره، كما هو واقع كثيرا. و من نظر في كلام الفصحاء و تصرّفات البلغاء علم أنّ أكثر كلامهم مجازات و استعارات و كنايات. و قد أجمع العلماء على أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة، بل لا مبالغة في استعمال اللفظ في حقيقة، و المبالغة في مثل هذه المقامات مطلوبة خصوصا مع شدّة ظهور الحال لو لا تمويهات أهل الضلال.
و أمّا القرينة الدالّة على المجاز فقد تكون عقلية، و قد تكون لفظية، و قد تكون حالية، و لعلّهم عليهم السلام مع استعمال بعض الألفاظ في معانيها المجازية كانوا ينصبون للسامع قرينة يفهم منها الصرف عن الحقيقة و إن لم تصل إلينا، أو يعتمدون على قرب

صفحه از 348