شرح حديث "رجِّع بالقرآن صوتك..." - صفحه 318

الحديث مع تفسيره لا تصريح فيه بإباحة الغناء على وجه أصلا؛ و ذلك أنّه حمله على إباحة القراءة دون الغناء؛ لأنّ صدره لا دلالة فيه على أكثر من وصف الجارية بأنّ لها صوتا، و هو لا يستلزم كونه غناء؛ لأنّه يمكن أن يكون المراد أنّ لها صوتا حسنا أو عاليا أو رخيما ۱ أو نحو ذلك، بل لا يفهم منه أكثر من هذا القدر، و مجرّد حسن الصوت أو علوّه لا يوجب تحقّق الغناء فلا يعترض ۲ ببعض الأحاديث الدالّة على استحباب حسن الصوت بالقرآن؛ لأنّ العامّ لا يدلّ على الخاصّ، و الفرق في الحسن و القبح بين الأصوات بالنظر إلى الذات أمر وجداني لا ينكره منصف. و آخره تضمّن تحريم مطلق الغناء حيثما صدق، بل يفهم منه التحريم في الأشياء المذكورة بقرينة السياق، كما لا يخفى.
و قوله: «فأمّا الغناء فمحظور» يبعد كونه من كلام الراوي، و لا يبعد توسّط التفسير بين أجزاء الحديث، و له نظائر كثيرة. و العجب من توقّف من توقّف الآن في تعريف الغناء، فيدّعي أنّه يعتقد تحريمه و أنّه لم يعرف معناه، و لا يقبل تفسير علماء اللغة و لا علماء العرب و لا الفقهاء، و لا يرجع إلى عرف العرب و لا إلى الحديث المتضمّن لتفسيره بالترجيع. و كأنّه يعتقد أنّه اسم على غير مسمّى و لفظ بغير معنى، مع أنّه لا فرق بين الغناء و الزنى و اللواط و السرقة و شرب الخمر و القذف و نحو ذلك ممّا يجب الرجوع في تفسيره إلى العرب؛ لأنّهم أعرف بمعاني هذه الألفاظ من العجم، و من حيث تعلّقها بالفقه يجب الرجوع فيها إلى علماء الفقه؛ فإنّهم أعرف بتفسيرها من جهّال العرب و العجم، مع أنّ أكثر العرب لا يشكّون في معنى الغناء المذكور في كتب الفقه، و لا يحتاجون إلى تفسيره لشدّة وضوحه و ظهوره. و هذا وجه خلوّ بعض كتب اللغة عن التصريح بتفسيره، كما لم يذكروا الواضحات كالأرض و السماء و الخبز و

1.رَخَمَ الصوت والكلام رُخما: لان و سَهُلَ. رَخُمَ الصوت والكلام ورخامَة: رَخَم، فهو رخيمٌ» (المعجم الوسيط، ج ۱، ص ۳۳۶، «رخم»).

2.كذا، ولعلّ الصواب: «فلا يُعارَضُ».

صفحه از 348