هنا أيضا قد جمعنا بين الظاهر والباطن ۱ وبين العلن والسرّ من دون القصر على أحدهما وطرح الآخر .
تكملة بعد تكملة [في الكرسى وأركانه]
ومما يجب وينبغي أن يمهد ويعلم هاهنا أنّ لفلك ۲ الكرسيّ ـ المعروف بفلك البروج وفلك الثوابت وبفلك المنازل ـ اعتبارات يكون له بكلّ اعتبار شأن ومنزلة وسلطان ومهيمنة : كاعتبار كونه كرسيّا من جهة شكله الجمعي وهيكله المجموعي ، واعتبار كونه فلك البروج من جهة تضمّنه لاثني عشر برجا كما هو المعروف ، واعتبار كونه فلك المنازل من جهة تضمّنه لثمانية وعشرين ۳ صورة ومنزلاً ؛ وهذه الوجوه الثلاثة من الاعتبار معروفة مشهورة ، ولكلّ من الوجهين والاعتبارين الأخيرين أربعة وجوه من الاعتبار ، لكلّ منها مهيمنة وسلطان عند اُولي الأيدي والأبصار وهم أرباب البصائر وأصحاب الاستبصار : وجه منها ركن الخلق ووجه منها : ركن الرزق ؛ ووجه منها : ركن الحياة ؛ ووجه منها : ركن الموت ، ولكلّ منها روح قدسيّ إلهيّ موكّل به ، ويتصرّف به في كلية العوالم العلويّة والسفليّة ، كلّها / ب 46 / تصرّف الروح في الاُمور بتوسّط البدن ، فتفطن!
وبعبارة اُخرى : ركن النار التي قال سبحانه في حق أهلها المتجلّي بصورتها « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ»۴ وركن الماء الّذي قال ـ جل شأنه ـ في حقّ مركزه المحيط بكل شيء : «وَ [كَانَ] عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ»۵ ، وركن الهواء الّذي قال ـ بهر برهانه ـ في حقّ روحه وارتفاع مكانه «وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى»۶ وركن التراب الّذي قال قهر ۷ سلطانه في علو شأنه : «أَنَّ السَّمَـوَ تِ وَ الْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا»۸ ، وقال «أَنَّا۹صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَمنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَ عِنَبًا وَ قَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَ نَخْلاً * وَ حَدَآئِقَ غُلْبًا * وَ فَاكِهَةً وَ أَبًّا»۱۰ وقال الكافر في حسرة حشره معه يوم الحسرة والتغابن « يَالَيْتَنِى كُنتُ تُرَ بَا»۱۱ .
وسلطان ركن الخلق والنار يسمّى جبرئيل ، وسلطان ركن الرزق والماء يسمّى بميكائيل ، وسلطان ركن الحياة والهواء يسمّى بإسرافيل ، وسلطان ركن الموت والتراب يسمّى بعزرائيل . واُولئك السلاطين لكلّ منهم سلطنة ومهيمنة في كل عالم من العوالم الثلاثة الكلية : عالم الجبروت وعالم الملكوت وعالم الملك والشهادة .
تفريع عرشي [في تساوق أحكام الكرسى والعرش]
فكليّة ذلك الفلك المعظّم المسمّى بالكرسيّ وفلك البروج وفلك المنازل بهيكله الجمعي يكون منزلته من سلطان اُولئك السلاطين ـ وهو روحانية سلطان الموحدين قبلة العارفين أمير المؤمنين عليه السلام المسماة بالنفس الكلية وبذات اللّه العليا وبسائر الأسامي والألقاب التي تقدّم ذكرها ـ منزلة الهيكل والقالب والمجلاة . ومنزلة كلّ من اُولئك السلاطين الأربعة من حضرة ذلك السلطان القهرمان ومن عتبة / الف 47 / العليا منزلة أمير جيشه وجنوده ، كلٌّ موكَّل ومنصوب تحته وجنوده من حضرته بتمشية مملكة من ممالك ذلك السلطان على سرّ اللّه ربّ العالمين ، واُولئك السّلاطين الأربعة بأعيانهم هم الأركان الأربعة العرشية السّابق ذكرها .
وقد مرّ أنّ هذا العرش الأعظم الملكي منزلته من العقل الكلّي والقلم الأعلى المسمّى بالمحمّدية البيضاء منزلة ۱۲ الهيكل والصّورة والوجود الثاني ، وقد قدّمنا لك يا أخا إخوان الصّفاء ـ أنّه لمّا كان كلّ صفة من صفات المحمّدية البيضاء ، وكل وصف من اوصافها العليا مع العلوية العليا ـ بل ومنزلة حضرة العلويّة من حضرة المحمدية منزلة