الجواب على دعوى قطعيّة أو صحّة جميع ما فى الكتب الأربعة - صفحه 184

تذييل ذو صلة بردّ الدعويين

لا يخفى انّ كل ما ذكرناه في ردّ الدعويين المتقدمتين لا يعني الاستهانة والانكار للقيمة العلمية لبعض روايات الكتب الأربعة والكتب الاخرى الروائية، لأنّ الروايات الضعيفة ليست بمعنى المدسوسة والمدلّسة وغير المصادرة عنهم عليهم السلام ، وكم هو الفارق بينهما، وان اشتبه ذلك على كثير من المبتدئين، حيث انّ المدسوس والمدلّس هو ما يحكم بوضعه وتزويره بقرائن شاهدة على ذلك، بخلاف الرواية الضعيفة أو المجهولة السند أو المرسلة أو المرفوعة أو المقطوعة أو الحسنة أو القويّة، فان المراد من ضعفها عدم واجديّتها في نفسها لشرائط الحجية، لا انّها موضوعة فلربما كانت صادرة ومضمونها حقّ، وان لم نحتجّ بها، كما انّ للخبر الضعيف حكمين آخرين غير الحجيّة يشترك فيهما مع الخبر الصحيح المعتبر:
أوّلهما: حرمة الردّ الثابتة بروايات متواترة، وموضوعها كل رواية لم يُعلم ولم يُقطع بوضعها ولا تناقضها مع ضروريات الكتاب والسنة، وهذه الحرمة المسلّمة بين علماء الامامية موضوعها كلّ من الخبر الصحيح والضعيف.
ثانيها: تشكّل وتولّد وتكوّن الخبر المستفيض والمتواتر من كل من الخبر الصحيح أو الضعيف، حيث انّ النسبة الاحتمالية المتصاعدة بالصدور بالعامل الكمّي والكيفي في نظرية الاحتمالات الرياضيّة البرهانيّة تتصاعد بهذين العاملين الى ان يصبح مستفيضا أو متواترا، لاسيّما بعد ما نبّه عليه الآخوند من تقسيم التواتر والمستفيض الى المتواتر والمستفيض اللفظي والمعنوي والاجمالي، وادناها درجة هو الاجمالي وهو حاصل في غالب الأبواب.
فمن ثم من الخطورة بمكان تضييع التراث الروائي الديني عنهم عليهم السلام بالغفلة والجهالة عن هذين الحكمين. ۱
الحال أن المتواتر والمستفيض على درجة من الأهمية الكبيرة التي لا تقارن بآحاد الاخبار الصحاح من الحجّة المنفردة، اذ المتواتر والمستفيض مدرك قطعي ومن بيّنات الدين الحنيف فكيف يُستهان ويُغفل عن منابع تولّده.
ونظير هذه الغفلة ما يطلقه بعض الأجلّة حول كتاب مستدرك الوسائل، أو غيرها من المجاميع الروائية لمصادر الأدلة الشرعية أو ما يطلقه بعض المبتدئين حول كتاب بحار الأنوار، فانّ في هذه المجاميع كثيرا من الطرق الصحيحة والمتعاضدة لحصول الوثوق بالصدور، ومن الغريب ايضا ما يُشاهد عن بعضهم من استعراض العديد من الروايات التي قد تصل احيانا الى الثمانية، المختلفة في درجات الضعف، أو المأخوذة من مصادر معتبرة، حيث يطرحها سندا، مع انّ الوثوق بالصدور الحاصل منها بسبب العامل الكيفي، كان تكون الطرق مختلفة من حيث المدرسة الروائية، حيث ان في بعضها سلسلة من الرواة القميّين، وأخرى البصريّين، وثالثة البغداديّين، ورابعة الكوفيّين، ممّا يبعّد تواطئهم على أمر واحد، مضافا الى العامل الكمّي مع انه اكبر درجة في الوثوق من الخبر الصحيح الاعلائى.
اضافة الى انّ جلّ ومعظم أبواب (بحار الأنوار) لا يقلّ عدد روايات كل باب منه عن حدّ الاستفاضة، هذا فضلاً عن كثرة وجود الصحاح والموثّق والمعتبر فيه.
وبالجملة: فالالتفات الى هذه القاعدة من علم الدراية وهى كيفية نشوء المستفيض والمتواتر وكيفية اجتماع وتضافر القرائن لحصول الوثوق بالصدور في الخبر مع الالتفات الى الاختلاف في درجات الضعف عاصم عن مثل هذه الورطات العلميّة.
فمثلاً: انّ الارسال في الخبر المرسل على درجات، اذ قد يكون الارسال فيه في طبقة واحدة، وقد يكون في طبقات عديدة، وقد يكون المرسل من كبار الرواة (كجميل بن درّاج)، وهكذا الحال في لفظ الارسال، فنرى الاختلاف فيه كما في التعبير تارة (عن بعض أصحابنا) وأخرى (عمّن ذكره) وثالثة (عن رجاله) ورابعة (عن رجل) فان بينها اختلاف في درجة احتمال الصدور.
ومثلاً الرجل الضعيف تختلف درجات ضعفه، فتارة هو ممدوح غير مطعون عليه، أو له كتاب، أو قد روى عنه الأجلّاء، أو انّ له روايات كثيرة، أو انّه شيخ اجازة، وأخرى يكون مهملاً، أو مجهولاً، أو موصوفا بالكذب، أو طعن عليه بالغلوّ فقط، أو طعن عليه بالتخليط وعدم الضبط وعدم التثبت، اي انّه ثقة في نفسه إلّا ان ضعفه من جهة أخرى، فانّ كل ذلك تختلف مع درجات احتمال الصدور، اي ان منشأ الضعف تارة يرجع الى صدق اللهجة من حيث العمد، وأخرى من جهة عدم الاشتباه والضبط، كما ذكروا ذلك في ان حجية الخبر من حيث الصدور يجب ان يؤمّن اعتبار الصدور من جنبتين، عدم العمد الى الكذب وعدم الاشتباه. أو كما انه يمكن ان يكون في سلسلة السند عدّة مجاهيل أو مجهول واحد فقط، كما ان الرواية الضعيفة قد تكون منفردة بمضمونها في الباب وقد تكون متعاضدة في ابعاض مضامينها بروايات أخرى معتبرة.
الى غير ذلك مما يتنوّع ويختلف درجات الضعف في الرواية مما تكون مقاربة ومشارفة للاعتبار أو تكون بعيدة عنه.
فانّ مثل هذه التقسيمات الروائية والدرائية للحديث مع الالتفات الى صغرياتها في الابواب أمر بالغ الأهمية في تحديد العامل الكمي والكيفي للوثوق بالصدور أو الاستفاضة والتواتر.

1.نظير ما ألّف من كتاب الصحيح من الكافي.

صفحه از 188