منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 373

قد اتّبع منهجين من مناهج التفسير القرآني، لا منهجا واحدا، فالمرويات من حيث النقل «تفسيرا أثريا»، ومن حيث الدلالة التطبيقية لها «تفسيرا قرآنيا» .
ولمّا كان هذا المنهج التفسيري «تفسير القرآن بالقرآن» من أكثر المناهج التفسيرية وثوقا وصدقا، سنعمد في هذه الدراسة إلى استقراء كتاب الكافي لننتزع من طيّاته ـ على مقدار الوسع ـ المرويات التي استندت إلى هذا المنهج التفسيري؛ لبيان الحيثيات التي اتّبعها الأئمّة في استعمالهم لهذا المنهج، ومدى قدرتهم على ربط الآية بأُختها، وبيان ما غمض من النصّ من خلال عرضه على نصٍّ آخر، وخصوصا ما يتعلّق بدلالات الأحكام الشرعية ؛ وذلك إيماناً منهم بأنّ اللّه تعالى لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال أن يُكلّف عباده بالمبهم ؛ ذلك بأنّ التكليف بالمبهم من المحال عقلاً ومنطقا ، فأنّى للمرء أن يعرف المراد ما لم تكن هناك وسيلة أو وساطة لوصوله إلى ذلك المراد .
من هنا تظهر أهمّية هذا النمط التفسيري في كتاب الكافي، مرتبطةً تلك الأهمّية بكتاب الكافي نفسه ، وتتّضح في ذات الوقت وظيفة الأئمّة عليهم السلام في إنقاذ الناس من قبضة الإبهام وتحريرهم إلى باحة الإيضاح واليقين، حتّى يجري عملهم على وفق المعرفة والوضوح، لا الإبهام والتردّد .

المطلب الأوّل : بيان إبهام دلالة حرمة الخمر في لفظة «الإثم»

إذا كان النصّ القرآني قد بُني على أُسس المنظومة الكلامية للّسان العربي، وتأسّس على ثوابت الأُسلوبية العالية للغة العرب وقتذاك، فإنّ هذا يعني بالضرورة وجود علاقة جدلية في التعبير القرآني تربط بين الإبهام وبيان ذلك الإبهام ؛ إذ إنّ الإبهام وبيانه سنّة من سنن تداولية الخطاب العربي البليغ، وتأسيسا على هذا المضمون نشهد في التعبير القرآني المقدّس جملةً من المكوّنات الدلالية والوسائل المضمونية التي تعمل على أداء المعنى المبتغى لدى المتلقّي .

صفحه از 406