منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 374

وتُصنّف هذه المكوّنات على وفق المراد منها في الخطاب اللغوي على صنفين : أحدهما يسير باتّجاه بناء دلالة الإبهام والغموض في النصّ، كأدوات إنشاء دلالة المجمل أو المطلق أو العامّ ووسائل تحقّقهما في الكلام ، وآخر يأخذ بيد السامع إلى نطاق البيان، فيسعى إلى تشخيص الدلالة وإنارة المسلك إليها؛ كي يقدّمها لذهن السامع وهي جلية الدلالة واضحة المعنى .
وإذا كان هذا الصنف يتقلّد وظيفة إنتاج الدلالة مع شرط الوضوح، فلا بدّ من أن تكون له وسائل وأدوات تعدّ مفاتيح يُتوسّل بها لبلوغ تلك الدلالة، منوطة بشرطها التي أُسّست عليه ، فكان من تلك الأدوات المرويات التي نُقلت عن الأئمّة عليهم السلام ، حيث تعدّ هذه المرويات من الوسائل البيانية التي تُقيّض للسامع أو المتلقّي إمكانية نيل الوضوح من الكلام الإلهي، حتّى يقرّ على بيان ويرسي عند جلاء المعنى ، فيخرج من عالم الإبهام إلى حيز إضاءة الدلالة .
وتأسيسا عليه آمن الكليني في كتابه الكافي بأنّ الرواية تعدّ مفتاحا تفسيريا للكثير من الغموض الذي يعتري النصّ القرآني، فهي الوسيلة الأمثل في إيضاح ما غاب عن البيان في التعبير المقدّس ، لهذا عمد في سفره الكافي إلى توظيف جملة من المرويات لبيان الغموض الدلالي للنصّ القرآني ، فقد يرد إبهام في نصّ قرآني ينظوي على حكم شرعي يستدعي أن يأخذ به الناس ويلتزمونه ؛ لأنّه صادر عن الذات الإلهيّة المُشرّعة ، فكان على المتلقّي ـ والحال هذه ـ ضرورة معرفة المراد الدلالي لذلك الإبهام، وإلّا بقي الأمر المكُلّف به غامضا عليه، ولربّما اضطرّ إلى ترك التكليف ؛ لعدم قدرته على تشخيص المطلوب .
لهذا أوكل سبحانه مهمّة بيان كتابه إلى الرسول والأئمّة عليهم السلام ، ومن ثمّ أحال الأمر من بعدهم على نطاق الاجتهاد العقلي بناءً على استثمار مضامين تلك النصوص المروية عن الأئمّة والرسول صلى الله عليه و آله ، فضلاً عن اللجوء إلى المصدر التشريعي الأوّل، ألا وهو النصّ القرآني ذاته، فما عجز الوصول إلى معرفته من النصّ القرآني ذاته يُركن فيه إلى

صفحه از 406