۰.الحَمدُ للّه ِِ الَّذي لا أدعو ۱ غَيرَهُ «20 »ولَو دَعَوتُ غَيرَهُ لَم يَستَجِب لي دُعائي «21 »
أي أحمد اللّه تعالى ألّا أدعو غيره ، إذ ذلك إفضال منه عزّ شأنه ؛ لأنّ دعاءنا إيّاه متفرّع على معرفته تعالى ، وأنّه لا ملجأ سواه ولا مفزع دونه ، وأنّ غيره محتاجون وفقراء إليه ، ومعرفة أنّه مخلوق محتاج فقير لا يملك شيئا ، ومعرفة أنّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه وزلّة من عقله ، وليس كلّ ذلك إلّا بهدايته ولطفه سبحانه ، فدعاؤنا إيّاه تعالى دون غيره نعمة منه وتفضّل يستلزم حمدا . ولعمري ، إنّ معرفة اللّه سبحانه ومعرفة ألّا ملجأ دونه ولا مفزع سواه ، والانقطاع إليه كمال الانقطاع ، نعمة منه تعالى ، بل من أعظمها وأعلاها كما في الشعبانيّة : «إلهي ، هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك» ، ۲ مع أنّه لو دعا غيره لم يستجب دعاءه ، سواء كان غيره من الأوثان والأصنام ، أم إنسان آخر.
فيحمد اللّه سبحانه على أن عرّفه نفسه وأعطاه الانقطاع إليه وأعطاه حاجته بذلك ، وأنجحه في حصول مطلوبه ، وأعزّه من ذلّ الرجوع إلى غيره ؛ وذلك لأنّ الإنسان حسب طبعه وأُنسه بالأسباب المادّية والعلل والعوامل الظاهريّة ، تحصل له الغفلة عن الحقّ سبحانه ، ويتّكل على الأسباب وينقطع إليها ، ولا يتنبّه عن غفلته ولا يفيق عن سنته ، ولا يرجع إلى كهفه ومعتمده ، ولا يلتفت إلى ما هو فيه من الغفلة والجهل إلّا بتوفيق من اللّه تعالى بقطع الأسباب المادّية ، ويأُنسه عمّا أنس به ، أو بهداية خاصّة معنوية ، كما في الدعاء : «اللّهمّ ولي إليك حاجة قد قصر عنها جهدى ، وتقطّعت دونها حيلي ، وسوّلت لي نفسي رفعها إلى من يرفع حوائجه إليك ، ولا يستغني في طلباته عنك ، وهي زلّة من زلل الخاطئين ، وعثرة من عثرات المذنبين ، ثمّ انتبهت بتذكيرك لي من غفلتي ، ونهضت بتوفيقك من زلّتي ، ونكصت بتسديدك عن عثرتي ، وقلت : سبحانك ربّي كيف يسأل محتاج محتاجا؟ وأنّى يرغب معدم إلى معدم ...» ، ۳ وقال تعالى : «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَ إِنَّ أَوْهَنَ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ » . ۴