49
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
48

۰.وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي لا أرجو ۱ غَيرَهُ «22 » ولَو رَجَوتُ غَيرَهُ لَأَخلَفَ رَجائي«23 »

الرجاء : الأمل والتوقّع ، وقوله : «مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا » ، ۲ أي لا تخافون... وذلك أنّ الرجاء للشيء معه الخوف من ألّا يكون ، فلذلك سُمّي الخوف رجاء. ۳
وقال الراغب: «الرجاء : ظنٌّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة، وأنّ الرجاء والخوف متلازمان». ۴
والرجاء قسمان كالخوف ، فإنّ الرجاء والتوقّع إن حصل أكثر أسبابه صدق اسم الرجاء ، كتوقّع الحصاد ممّن ألقى بذرا جيّدا في أرضٍ صالحة يصلها الماء ، فإن شكّ فهو التمنّي ، كما إذا صلحت الأرض ولا ماء ، وفي الحديث : «الاتّكال على الأمانيّ بضائع النوكى». ۵ يخفى .
وعلى كلّ حال ، وردت أحاديث في مدح اليأس عمّا في أيدي الناس ، وذمّ الطمع فيما في أيدي الناس .
روي في الكافي بإسناده عن الحسين بن علوان ، قال : «كنّا في مجلسٍ نطلب فيه العلم ، وقد نفدت : نفقتي في بعض الأسفار ، فقال لي بعض أصحابنا : من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت : فلانا ، فقال : إذا واللّه لا تُسعف حاجتك ، ولا يبلغك أملك ، ولا تنجح طلبتك ، قلت : وما علمك رحمك اللّه ؟ قال : إنّ أبا عبداللّه عليه السلام حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب : إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي ، لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل من الناس غيري باليأس ، ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس ، ولأنحينّه من قربي ، ولأبعدنّه من فضلي ، أيؤمّل غيري في الشدائد والشدائد بيدي ؟ ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة ، وبابي مفتوح لمن دعاني ؟
فمن الذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟ ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاه منّي؟ وجعلت آمال عبادي عندي محفوظة ، فلم يرضوا بحفظي ، وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي ، وأمرتهم ألّا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي ، فلم يثقّوا بقولي . ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري إلّا من بعد إذني ؟ فمالي أراه لاهيا عنّي ؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني ، ثمّ أنزعته عنه فلم يسألني ردّه وسأل غيري.
أفيراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة ، ثمّ أسأل فلا أُجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخّلني عبدي ؟ أو ليس الجود والكرم لي؟ أو ليس العفو والرحمة بيدي؟ أو ليس أنا محلّ الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يؤمّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعا ، ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ، ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة ، وكيف ينقص ملك أنا قيّمه ؟ فيابؤسا للقانطين من رحمتي ، ويابؤسا لمن عصاني ولم يراقبني». ۶
وعن أبي عبداللّه : «إذا أراد أحدكم ألّا يسأل اللّه شيئا إلّا أعطاه ، فلييأس من الناس كلّهم ، ولا يكون له رجاء إلّا من عند اللّه عزّ وجلّ ، فإن علم اللّه ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا إلّا أعطاه» . ۷ الحديث .
وعلى كلّ حال ، عدم رجاء غير اللّه تعالى يتوقّف على معرفته ، وأنّه بيده كلّ شيء ، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، وأنّ غيره تعالى فقير بالذات ، ليس له ومنه شيء ، وذلك كلّه من نعم اللّه وفضله وإنعامه ، فيلحمد العبد مولاه بذلك.
ورجاء العبد ربّه يحثّه على العمل والاعتماد على النفس واليأس عمّا في أيدي الناس وهو العزّ الحاضر ، ويزيل عنه الطمع الذي منشأ المساوئ والمهالك والذلّ الحاضر ، وفي الدعاء : «اللّهمّ وصن وجهي باليسار ، ولا تبتذل جاهي بالاقتار فأسترزق أهل رزقك ، وأستعطي شرار خلقك ، فأفتتن بحمد من أعطاني ، وأُبتلى بذمّ من منعني ، وأنت من دونهم وليّ الإعطاء والمنع». ۸

1.في الإقبال والمصباح للكفعمي والبلد الأمين : «أرجوه ولا أرجو غيره» .

2.نوح : ۱۳.

3.مجمع البيان : ج ۲ ص ۷۶ .

4.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۹۱ .

5.أي الحمقى ، اُنظر : مجمع البحرين : ج ۴ ص ۳۹۴ ، مستدرك سفينة البحار : ج ۱۰ ص ۱۹۰ ، وفي سفينة البحار : عن المحقّق الكاشاني ، والرجاء غير الطمع كما لا

6.الكافي : ج ۲ ص ۶۶ ـ ۶۷ ، بحارالأنوار : ج ۶۸ ص ۱۳۰ ح ۷ ، كنز العمّال ، ج ۶ ، ص ۶۲۹ ، ح ۱۷۱۴۵. عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال : «جاء أبو أيّوب خالد بن زيد إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللّه ، أوصني وأقلل لعلّي أحفظ . قال : أُوصيك بخمس : باليأس عمّا في أيدي الناس فإنّه الغنى ، وإيّاك والطمع فإنّه الفقر الحاضر ، وصلّ صلاة مودّع ، وإيّاك وما يُعتذر منه ، وأحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك». وفي النهج : «من استشعر الطمع فقد أرزى نفسه بالذلّ» . وعن علي بن الحسين عليهماالسلام : «رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس» : وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم ، يكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك ، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك» (اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۳ ص ۱۶۸ وما بعدها ، وج ۷۵ : ص ۱۰۵ وما بعدها ، ميزان الحكمة : ج ۵ ص ۵۵۰ ، سفينة البحار : ج ۲ ص ۹۳ منهاج البراعة : ج ۱۴ ص ۳۰۸ وما بعدها) .

7.الكافي : ج ۸ ص ۱۴۳ ح ۱۰۸ ، الأمالي للمفيد : ص ۲۷۴ ، الأمالي الطوسي : ص ۳۶ ح ۳۸ ، وانظر : بحار الأنوار : ج ۷۳ ص ۱۰۷ .

8.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۲۰ ، وقريب منه ما في نهج البلاغة : الخطبة ۲۲۳ ، بحار الأنوار : ج ۹۱ ص ۲۳۰ ح۵ .

  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 458958
صفحه از 464
پرینت  ارسال به