۰.وإنَّ الرّاحِلَ إلَيكَ قَريبُ المَسافَةِ «37 »وأنَّكَ لا تَحتَجِبُ عَن خَلقِكَ إلّا أن تَحجِبَهُمُ الأَعمالُ ۱ دونَكَ «38 »
الرّحل : ما يوضع على البعير المركوب ، ثمّ يعبّر به تارةً عن البعير ، وتارةً عمّا يُجلس عليه في المنزل ، وجمعه رحال ، والراحلة الناقة الّتي تصلح لئن ترحل ، رحل عن البلد : تركه ، رحل إلى موضعٍ : انتقل إليه.
يعني من يسير إليك قريب المسافة لا يحتاج إلى قطع الطريق والسير في البراري والبحار ، فمن يريد الرحلة إليه يدعوه ويناجيه ، قال سبحانه : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ » ، ۲ وقال عزّ وجلّ : «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » ، ۳ وقال تعالى : «أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » ، ۴ وقال سبحانه : «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَ لَـكِن لَا تُبْصِرُونَ » . ۵
قال الاُستاذ العلّامة في الميزان : «الحيلولة ، هي التخلّل وسطا ، والقلب العضو المعروف ، ويُستعمل كثيرا في القرآن الكريم في الأمر الذي يدرك به الإنسان ، ويظهر به أحكام عواطفه الباطنة ، كالحبّ والبغض ، والخوف والرجاء ، والتمنّي والقلق ، ونحو ذلك ... والإنسان كسائر ما أبدعه اللّه من الأنواع الّتي هي أبعاض عالم الخلقة مركّب من أجزاءٍ شتّى ، مجهّز بقوى وأدوات تابعة لوجوده ، يملكها ويستخدمها في مقاصد وجوده ، والجميع مربوطة به ربطا يجعل شتات الأجزاء والأبعاض على كثرتها وتفاريق القوى والأدوات على تعدّدها ، واحدا تامّا يفعل ويترك ، ويتحرّك ويسكن بوحدته وفردانيّته.
غير أنّ اللّه سبحانه لمّا كان هو المبدع للإنسان وهو الموجد لكلّ واحد واحد من أجزاء وجوده وتفاريق قواه وأدواته ، كان الذي يحيط به وبكلّ واحدٍ من أجزاء وجوده وتوابعه ، ويملك كلّاً منها بحقيقة معنى الملك ، يتصرّف فيه كيف يشاء ، ويملّك الإنسان ما شاء منها كيف شاء ، فهو المتوسّط الحائل بين الإنسان وبين كلّ جزء من أجزاء وجوده ، وكلّ تابع من توابع شخصه ؛ بينه وبين قلبه ، بينه وبين سمعه ، بينه وبين بصره ، بينه وبين بدنه ، بينه وبين نفسه ، يتصرّف فيها بإيجادها ، ويتصرّف فيها بتمليك الإنسان ما شاء منها كيف شاء ، وإعطائه ما أعطى ، وحرمانه ما حرم ...». ۶
فإذا كان العبد عاصيا وطاغيا فتاب وأصلح صار قريبا ، وكلّ ما كان أتقى وأعرف زاد قربه.
«وأنّك لا تحتجب عن خلقك» كما يحتجب الملوك والأُمراء ، والحَجْب والحجاب : المنع من الوصول (وبينهما حجاب) ليس يعني به ما يحجب البصر ، وإنّما يعني ما يمنع الوصول لذّة أهل الجنّة إلى أهل النار. ۷
«إلّا أن تحجبهم الأعمال دونك» إذ ممّا لا ريب فيه أنّ للأعمال آثارا إن خيرا فخيرٌ وإن شرّا فشرٌّ ، ۸ ينطق بذلك القرآن الكريم والأحاديث الكثيرة ، قال سبحانه وتعالى : «ثُمَّ كَانَ عَـقِبَةَ الَّذِينَ أَسَـئواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِئايَـتِ اللَّهِ وَ كَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ » ، ۹ وقال : «فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ » ، ۱۰ وقال تعالى : «كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ »۱۱ والزيغ : الميل عن الاستقامة ، والرّين : صدأ يعلو الشيء الجلي ، وفي الحديث عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان أبي يقول : ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة ، إنّ القلب ليوقع الخطيئة فما تزال به حتّى يغلب عليه فيصير أعلاه أسفله» ، ۱۲ وعنه عليه السلام «إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب انمحت ، وإن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه ، فلا يفلح بعده أبدا» ، ۱۳ وعن أبي جعفر عليه السلام : «إنّ العبد يسأل اللّه الحاجة ، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجلٍ قريب أو إلى وقتٍ بطيء ، فيذنب العبد ذنبا ، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملك : لا تقض ِ حاجته واحرمه إيّاها ، فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي». ۱۴
1.في الإقبال : «الأعمال السيئة» .
2.البقرة : ۱۸.
3.ق : ۱۶.
4.الأنفال : ۲۴ .
5.الواقعة : ۸۵ .
6.الميزان في تفسير القرآن : ج ۹ ص ۴۶ ـ ۴۷.
7.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۰۸.
8.اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج ۲ ، ص ۱۸۰ ، بحار الأنوار : ج ۳ ص ۱۵ وما بعدها .
9.الروم : ۱۰.
10.الصفّ : ۵ .
11.المطفّفين : ۱۴ .
12.الكافي : ج ۲ ص ۲۶۸ ، الأمالي للصدوق : ص ۴۸۱ ، روضة الواعظين : ص ۴۱۴ ، الأمالي للطوسي : ص ۴۳۸ ، مشكاة الأنوار : ص ۴۴۵ .
13.الكافي : ج ۲ ص ۲۷۱ ، عنه بحار الأنوار : ج ۷۳ ص ۳۲۷ .
14.الكافي : ج ۲ ص ۲۷۵ ، بحار الأنوار : ج ۷۳ ص ۳۲۹.