۰.وقَد قَصَدتُ إلَيكَ بِطَلِبَتي«39 »وتَوَجَّهتُ إلَيكَ بِحاجَتي «40 »وجَعَلتُ بِكَ استِغاثَتي«41 »وبِدُعائِكَ تَوَسُّلي«42 » مِن غَيرِ استِحقاقٍ لِاستِماعِكَ مِنّي«43 »ولَا استيجابٍ لِعَفوِكَ عَنّي «44 » بَل لِثِقَتي بِكَرَمِكَ«45 »وسُكوني إلى صِدقِ وَعدِكَ«46 »ولَجَئي إلَى الإِيمانِ بِتَوحيدِكَ «47 »ويَقيني ۱ بِمَعرِفَتِكَ مِنّي ألّا رَبَّ لي غَيرُكَ «48 » ولا إلهَ إلّا أنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ«49 »
قصد له وإليه : اعتزم عليه وتوجّه إليه ، وقصد إليه : اعتمده ، والطَلِبة بفتحٍ فكسر : ما يُطلب ، ما طلبته من شيء ، وبكسر الطاء : النوع والاسم من المطالبة وما يطلب . والمعنى توجّهت إليك بما أطلبه وأسأله ، والباء للسببيّة أو المعيّة.
«وتوجّهت إليك بحاجتي» أصل الوجه الجارحة ، استُعمل في مستقبل كلّ شيء ، وفي أشرفه ومبدئه ، يقال : واجهت فلانا ؛ جعلت وجهي تلقاء وجهه . يعني : أقبلت إليك بحاجتي أبغي قضاءها ونجاحها.
«وجعلت بك استغاثتي» أي قصّرت استغاثتي بك ، وجعلت استغاثتي مصاحبا أو ملاصقا وملازما بك لا بغيرك ، كأن يقول : واغوثاه ، يريد به الاستغاثة منه تعالى ، أو يصرّح ويقول : واغوثاه يا اللّه .
«وبدعائك توسّلي» أي جعلت وسيلتي إليك دعاءك ، ليس لي وسيلة إليك غير الدعاء ، الوسيلة : التوصّل إلى الشيء برغبة ، وهي أخصّ من الوصيلة ؛ لتضمّنها معنى الرغبة ، قال تعالى : «وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » ، ۲ أي ما يُتقرّب به إليه ، فاستعيرت لما يتوسّل به إلى اللّه تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصي ، ۳ والوسيلة القربة.
«من غير استحقاقٍ لاستماعك منّي» الاستحقاق : الاستيجاب . الاستماع : الإصغاء ، ويعبّر تارةً بالسمع عن الفهم ، وتارةً بالطاعة ، تقول : اسمع ما أقول لك ولم تسمع ما قلت . يعني أدعوك وأجعل دعاءك وسيلة للقبول مع عدم استحقاقٍ لقبولك منّي ، بل تفضّلاً منك.
«ولا استيجابٍ لعفوك عنّي» الوجوب : الثبوت واللزوم ، وأوجبه اللّه واستوجبه : استحقّه .
«بل لثقتي بكرمك» وثق به يثق ثقةً : ائتمنه ، وثق الأمر ؛ أي أحكمه . أي قصدتك بحاجتي وتوجّهت إليك وقصّرت استغاثتي بك ، وجعلت دعائي إيّاك وسيلةً لثقتي واطمئناني بكرمك .
قال الراغب : «الكرم إذا وُصِف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر ، وإذا وُصِف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه» . ۴ وفي الحديث عن الحسن بن علي عليهماالسلام في جواب السائل : ما الكرم؟ قال : «الابتداء بالعطية قبل المسألة ، وإطعام الطعام في المحلّ» . ۵
«وسكوني إلى صدق وعدك» السكون : قال الراغب : «ثبوت شيء بعد تحرّك» . ۶ أي ولسكون قلبي واطمئناني إلى صدق وعدك ـ من دون اضطراب وتزلزل ـ بقبول الدعاء بقوله تعالى : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ » . ۷
«ولجأي إلى الإيمان بتوحيدك» قال في المصباح : «لجأ إلى الحصن وغيره لجأً ، مهموز ، من بابي نفع وتعب ، والتجأ إليه : اعتصم به» ، قال تعالى : «لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئا » ، ۸ قال الطبرسي رحمه الله : «والملجأ : الموضع الذي يتحصّن فيه ، ومثله المعقل ، والموئل ، والمعتصم ، والمعتمد» . ۹
أي إنّ قصدي إيّاك لثقتي بكرمك وسكوني إلى صدق وعدك ، وللجأي إلى الإيمان ـ يعني إيماني ـ بتوحيدك واعتقادي بأن لا إله إلّا أنت ، فتحصّنت بالإيمان بالتوحيد ، وفي حديث سلسلة الذهب : «كلمة لا إله إلّا اللّه حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي» ، ۱۰ وفي الدعاء : «ووسيلتي إليك التوحيد ، وذريعتي أنّي لم أشرك بك شيئا ولم أتّخذ معك إلها» . ۱۱
«وثقتي بمعرفتك منّي ألّا ربّ لي غيرك ، ولا إله إلّا أنت وحدك لا شريك» ؛ أي ولثقتي بمعرفتك منّي أنّي أعتقد و أُومن أن لا ربّ ۱۲ لي غيرك ، ولا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك.
أقول : وكأنّ هذه الجملات إشارة إلى شرائط قبول الدعاء : الانقطاع إلى اللّه تعالى ، وحسن الظنّ به سبحانه ، والمعرفة بعيوب النفس ، والاعتراف بالتقصير . ولا بأس أن نشير هنا إلى بعض ما ينبغي حصوله في الداعي والدعاء .
1 ـ أن يكون الداعي متضرّعا متخشّعا ، قال تعالى : «ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً » ، ۱۳ أي متذلّلاً وفي خفية سرّا ؛ ليكون أقرب إلى الإخلاص.
2 ـ أن يكون الداعي بين الرجاء والخوف ، قال سبحانه : «وَاذْكُر رَّبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً » ، ۱۴ أي متذلّلاً خائفا.
3 ـ ألّا يكون الداعي ساهيا ، بل يكون مقبلاً إليه عزّ وجلّ بقلبه ، إنّ اللّه لا يستجيب دعاءً بظهر قلب ساه.
4 ـ أن يكون الداعي باكيا أو متباكيا ، إنّ اللّه لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ قاس .
5 ـ أن يكون الداعي عالما بأنّ اللّه تعالى هو الذي يضرّ وينفع.
6 ـ إذا دعوت فظنّ حاجتك بالباب ، ثقةً بكرمه وصدق وعده.
7 ـ أن يكون خائفا مشفقا وجلاً معفّرا وجهه في التراب وساجدا بمكارم بدنه.
8 ـ أن يبدأ بالصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله ويختم بها .
9 ـ أن يختم بذكر «ما شاء اللّه لا قوّة الّا باللّه ».
10 ـ أن يبتدأ في الدعاء بمدح اللّه تعالى وثنائه.
11 ـ أن يرفع يديه إلى السماء كما يستطعم المسكين.
12 ـ لا يُردّ دعاء أوّله : بسم اللّه الرحمن الرحيم.
13 ـ أن يكون آيسا عمّا في أيدي الناس ، ولا يكون له رجاء إلّا من عند اللّه تعالى.
14 ـ أن ينظّف بطنه من الحرام.
15 ـ أن يُسمّي حاجته .
16 ـ أن يعمّ بالدعاء ويقدّم الإخوان.
17 ـ وأن يصوم للّه تعالى.
إلى غير ذلك ممّا جمعها العلّامة المحقّق المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار . ۱۵
1.في المصدر : «ثقتي» ، وما أثبتناه فهو من المصادر الأُخرى .
2.المائدة : ۳۵ .
3.الكشّاف : ج ۱ ص ۶۱۰ .
4.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۲۸ .
5.تحف العقول : ص ۲۲۵ ، بحار الأنوار : ج ۷۵ ص ۱۰۲ .
6.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۳۶.
7.البقرة : ۱۶۸ ، وقد تقدّم الكلام فيه فراجع .
8.التوبة : ۵۷ .
9.مجمع البيان : ج ۵ ص ۷۱.
10.ذكرنا مصادره في مكاتيب الرضا عليه السلام ، راجع : بحار الأنوار : ج ۳ ص ۶ ح ۷ ـ ۱۵.
11.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۴۹ .
12.تقدّم معنى الرّبّ : ص ۵ .
13.الأعراف : ۵۵.
14.الأعراف : ۲۰۵.
15.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۹۳ ، ص ۳۰۵.