تطور اللغه و تأثيره على فهم الحديث - صفحه 58

حيث لم يکن الکهرباء آنذاك، فکانوا يحتاجون الي النور في داخل المسجد ليلاً، فکانوا يبنون للسراج مکاناً مرتفعاً کي ينير بضيائه مساحة أوسع و هذا المعني لا يختص بالمسجد، بل کانوا يبنون نظيره في غيره أيضاً مما تکون فيه حاجة الي الضياء و سياتي تتمة لهذه النقطة آخر البحث.»
و امّا المراد من المنارة في قوله: «انْحَدِرْ مِنَ الصَّفا ماشياً إِلَى الْمَرْوَةِ وَ عَلَيْكَ السَّكينَةَ وَ الْوَقارَ حَتَّى تاتي الْمَنارَةَ وَ هي عَلَى طَرَفِ الْمَسْعَى» ليس هو المئذنة بلا ريب، لأن الأذان مما جاء به الإسلام و الحج موجود قبل الإسلام و من أفعال الحج السعي بين الصفا و المروة، فالمراد من «المنارة» في هذا الحديث _ علي ما يبدو _ هو العلامة؛ أي أن نهاية السعي هي عند المنارة و العلامة الدالة علي نهاية المسعي و هذا ما يدل عليه قوله: «حَتَّى تاتي الْمَنارَةَ وَ هي عَلَى طَرَفِ الْمَسْعَى.» و عليه فالمنارة في هذا الحديث بمعني العلامة لا ما يسمى اليوم بالمئذنة.
نعم ظاهر الحديث الثالث استعمال «المنارة» بمعنى المئذنة حيث قال: «سالْتُ أَبا الحَسَنِ(عليه‌السلام) عَنِ الأَذانِ في المَنارَةِ أَ سُنَّةٌ هُوَ؟» فظاهر هذا السؤال أنهم كانوا يؤذنون على المنائر، أو فقل على المآذن و هذا موافق لاستعمال المنارة في عصرنا الحاضر.
و امّا المنارة في قوله: «ضُرِبَ عَلَى قَبْرِهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَنارَةً مِنْ نُورٍ» فلا يراد بها المئذنة قطعاً و إنما يراد بها «الشمعة ذات السراج» علي ما يبدو من السياق؛ إذ کل شمعة تعبر عن نور صوم يوم حيث قال: «مَنْ صامَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً مِنْ شَعْبانَ ضُرِبَ عَلَى قَبْرِهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَنارَةً مِنْ نُورٍ.»
و بهذا يتضح أن معني هذه المفردة في العديد من الأحاديث هو غير معناها المتبادر منها الآن أعني «المئذنة» إلاّ أنها استعملت بمعنى المئذنة أيضاً. و عليه فقد استعملت هذه المفردة في الحديث بمعاني عديدة، فلابد من تعيين المراد منها في الحديث محل الکلام.

المناره في الحديث محل الکلام

«المنارة» في الحديث محل الکلام فيها احتمالان هما:
المئذنة و يؤيده ورود السؤال عن استحباب الأذان على المنارة كما تقدم في الحديث الثالث، مضافاً إلى أن «المنارة» في الحديث محل الکلام وردت مع هذه الفقرة «... ثُمَّ قالَ لا تُرْفَعُ الْمَنارَةُ إِلاّ مَعَ سَطْحِ المَسْجِدِ»و المنارة اذا كانت خارج المسجد فهي المئذنة.
«ما يوضع عليه المسرجة» حيث کانت هناك حاجة لإسراج الأزقة و الشوارع ليلاً لعدم الکهرباء آنذاك، فکانوا يبنون أماکن مرتفعة خاصة لوضع السرج عليها و ذلك أن السراج إذا

صفحه از 63