وضع علي مکان مرتفع أنار مساحة أوسع. و يتضح هذا المعني أکثر لمن راجع الروايات الواردة في «الطريق» حيث إن أحد الأمور المشار إليها هو المنائر للطرقات.»
سؤال: أي المعنيين هو المراد في المقام؟
الجواب: إذا تأملنا الحديث المذكور و الأحاديث الأخرى لرأينا أن المعنى المقصود هنا هو«ما يوضع عليه المسرجة» لا «المئذنة» نظراً للأمور التالية:
1. ورد في الرواية الثالثة و التي استخدمت «المنارة» بمعنى المئذنة هذه الفقرة: «إِنَّما كانَ يُؤَذَّنُ لِلنَّبي(صلياللهعليهوآلهوسلم) في الأَرْضِ وَ لَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ مَنارَةٌ» و هذا كاشف عن الوضع العمراني للمساجد آنذاك و بما أن أميرالمؤمنين(عليهالسلام) عاش بعد رسول الله(صلياللهعليهوآلهوسلم) ثلاثين عاماً و هي فترة ليست بالطويلة، فمن البعيد تغير الوضع الثقافي والعمراني هذا المقدار الکثير، بحيث يصير المتعارف هو الأذان على المنائر ثم ترفع المنائر كثيراً.
2. لو تنزلنا و قلنا إن المراد بالمنارة هو المئذنة کما قاله بعض المتأخرين ۱
فلنري معاً هل إن معني الحديث سيکون مقبولاً أم لا، فقد جاء فيه: «رُوي أَنَّ عَلياً(عليهالسلام) مَرَّ عَلَى مَنارَةٍ طَويلَةٍ فامَرَ بِهَدْمِها ثُمَّ قالَ لا تُرْفَعُ الْمَنارَةُ إِلاّ مَعَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ.» فإن کان المراد من المنارة هو المئذنة فسيکون معني الحديث أن المئذنة لا ترفع إِلاّ مَعَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ، فهل هذا المعني مقبول؟
الجواب: کلا، فإنه لو کان کذلك لما کان وجه عقلائي لبناء المئذنة عندئذ، بل لصعدوا علي سطح المسجد و أذنوا و لما کانت من حاجة للمئذنة، بخلاف ما لو کان المراد بها هو الموضع الذي يجعل عليه النور؛ فإن هدمها و جعلها بمستوي سطح المسجد هو لإظهار حرمة المسجد و منزلته.
1.. منهم العلامة(المتوفى سنة،۷۲۶ق.) حيث قال في التذكرة عند بيان آداب المساجد: «... وينبغي وضع المنارة مع حائطها لا في وسطها و لا ترفع عليه، لأن عليا(عليهالسلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال: " لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد " و لئلا يشرف المؤذن على الجيران» (تذكرة الفقهاء، ج۲، ص۴۲۳، المسألة۹۲) ؛ (انظرأيضاً، نهاية الأحكام، ج۱، ص۳۵۲.) و قال في مختلف الشيعة: «مسألة: قال الشيخ في المبسوط: لا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض، مع أنه قال فيه: يستحب أن يكون المؤذن على موضع مرتفع. والوجه: استحبابه في المنارة، امّا أولا: فللأمر بوضع المنارة مع حائط المسجد غير مرتفعة، روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه)عليهالسلام(: " أن عليا(عليهالسلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال: لا ترفع إلا مع سطح المسجد" و لولا استحباب الأذان فيها لكان الأمر بوضعها عبثاً.» (مختلف الشيعة، ج۲، ص۱۲۳.)
و قال المحقق الكركي (المتوفى سنة۹۴۰ق): «قوله: (وتعليتها) أي تكره تعلية المنارة، لأن علياً(عليهالسلام) "مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال: لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد " و لئلا يتشرف المؤذن على الجيران.» (جامع المقاصد، ج۲، ص ۱۴۵.)
و أورد الشيخ الريشهري هذا الحديث ضمن عنوان الأذان وتحت الفرع (أدب بناء المئذنة) مما يكشف عن فهمه للمنارة بمعنى المئذنة (انظر، موسوعة ميزان الحكمة، ج۲، ص۱۷۷، ح۱۲۲۴.)