3. مقتضى التعبير الوارد في الرواية و هو «رُوي أَنَّ عَلياً(عليهالسلام) مَرَّ عَلَى مَنارَةٍ طَويلَةٍ فامَرَ بِهَدْمِها»أن الذي مر به أميرالمؤمنين(عليهالسلام) هو «المنارة» لا «المسجد ذا المنارة» و لو كانت المنارة ملحقة بالمسجد و جزء منه لعبّر بالعبارة التالية: «مَرَّ عَلَى مسجد ذا مَنارَةٍ طَويلَةٍ» أو نظيرها و لم يعبر عنه بما مر كما هو واضح. و لتوضيح ذلك نضرب لك مثالاً عرفياً: إذا مررت برجل يده طويلة فهل تعبر عن ذلك بقولك: «مررت بيدٍ طويلة» أم بقولك: «مررت برجلٍ يدُه طويلة»؟! من الواضح لمن له ذوق عربي سليم أن التعبير الصحيح لمثل ذلك هو التعبير الثاني.
و المعيار في ذلك هو أنّ الذي مررتَ به إذا كان له استقلالية في نفسه قلت: «مررت بكذا» و إذا لم تكن له استقلالية في نفسه بل کان تابعاً لغيره ذكرت الشيء الأصلي و ذكرت أن من صفته كذا فتقول مثلاً: «مررت على الشيء الفلاني وفيه كذا.»
و بهذا يتضح أنه إذا كانت المنارة جزء من المسجد و تابعة له فالمناسب هو التعبير بقول: «مَرَّ عَلَى مسجد» لا «مَرَّ عَلَى منارة» و بما أن التعبير الوارد في الرواية هو: «مَرَّ عَلَى منارة» فهو كاشف عن أن المنارة لم تكن جزء من المسجد و تابعة له، بل كانت مستقلة عنه.
فهم قدماء المحدثين للرواية يساعد على ما ذكرناه، حيث أوردها الصدوق في باب عنوانه «باب فضل المساجد و حرمتها و ثواب من صلى فيها» فلو کان ما فهمه من المنارة هو بمعنى «المئذنة» لما أوردها في هذا الباب؛ لعدم مناسبتها له و كان عليه إيرادها في باب آخر.
سؤال: بقي علينا الإجابة على هذا السؤال و هو: لو کان المراد من «المنارة» هو «ما يوضع عليه المسرجة» فما الذي دعا أميرالمؤمنين(عليهالسلام) للأمر بهدمها؟
الجواب: الذي دعا أميرالمؤمنين(عليهالسلام) للأمر بهدم المنارة هو أنها طويلة و تقع الى جانب المسجد، فإظهاراً لحرمة المسجد أمر بهدمها و قال: «لا تُرْفَعُ المَنارَةُ إِلاّ مَعَ سَطْحِ المَسْجِدِ.» أو فقل: ليس المذموم هو طول المنارة كما تصوره البعض، ۱ ؛ ۲ و إنما المذموم هو رفع المنارة على المسجد، فکما أن الأبنية المجاورة للکعبة لا يجوز رفعها أعلي من الکعبة؛ إظهاراً لعظمة الکعبة و حرمتها، فکذلك المقام. فالمذموم إذن هو انتهاك حرمة المسجد لا طول المنارة و قد جاء الأمر بهدم المنارة في هذا الإطار.
1.(وسائل الشيعة، ج۲۵، ص۲۳۰، ح۶۴۱۳، باب كراهة طول المنارة و استحباب كونها مع سطح المسجد...)
2.(موسوعة ميزان الحكمة، ج۱، ص۱۷۷، عنوان «الأذان» باب «آداب بناء المنارة.»)