و بهذا ينسجم الحديث مع الوضع الثقافي السائد آنذاك _ حيث لم يكن الأذان فيه على المنائر _ من جهة، كما ينسجم التعبير الوارد في الحديث أعني قوله: «مر على منارة طويلة» حيث لم يعبر بقوله: «مر على مسجد منارته طويلة.» كما ينسجم معنى الحديث مع المعنى اللغوي لكلمة «المنارة» حيث إن معناها في اللغة مشتق من النور و جميع المعاني ـ عدا المئذنة ـ تنسجم مع هذا الاشتقاق و امّا المئذنة فهي لا تنسجم مع هذا الاشتقاق کما هو واضح و انما استعملت بهذا المعنى لاحقاً و نتيجة لارتقاء المؤذنين للمنائر (الأمكنة المعدة للنور) باعتبارها مرتفعة، فأطلقوا علي المنارة «مئذنة» و صارت «المئذنة» أحد معاني «المنارة».
نتيجه
مما ذكرناه يتضح لنا تأثير التطور الطارئ على معاني الألفاظ الواردة في الأحاديث على فهمها و الاستنباط منها و أن من الضروري تسليط الأضواء على هذا الجانب عند تعاملنا مع الحديث و عدم إغفاله. علماً أن هذا الموضوع لا يختص بالحديث الشريف بل له نماذج قرآنية أيضاً، أشرنا لنموذجين منها في مطلع المقال و هذا ما يفصح عن أهمية هذا الموضوع في فهم القرآن و الحديث معاً.
علماً أننا عثرنا علي العديد من هذه الألفاظ، إلاّ أننا أعرضنا عن بيانها لعدم سماح المقال لأکثر من ذلك؛ نشير إلي بعضها علي سبيل المثال: «الطعام، الدقّة، التعمّق، ۱ التنجيم، المحراب.»
و الذي نقترحه في هذا المجال هو أن يخضع هذا الموضوع لدراسات معمّقة و أن تخصص له جملة من رسائل الماجستير و الدكتوراه، مع أخذ النقاط التالية بنظر الاعتبار:
1. أن يکون البحث تطبيقياً، لا نظرياً فحسب و أن يکون مفعماً بالأمثلة.
2. أن يتم تتبع جذور التطور الطارئ على الألفاظ و بيان آثاره علي الصعد و المستويات المختلفة.
3. أن تبدي الملامح العامة للألفاظ التي طرأ عليها التطور المعنوي و بيان ضوابط عامة لها و علي الأقل بيان الأمور التي من شأنها الکشف عن التطور المعنوي علي اللفظ؛ بهدف تيسير السبيل على الباحثين في مجالي القرآن و الحديث و بالتالي تقديم اطروحات قرآنية و حديثية من شأنها تغيير مسار فهم النصوص الدينية.
جدير بالذكر أن هذا الموضوع قد خضع للبحث من زاوية لغوية بحتة، حيث قام بعض الباحثين بدراسته من
1.(موسوعة العقائد الاسلامية، ج۳، ص۳۳۱ – ۳۳۴.)