257
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قوله : « فظلَّ سادرا » ، السادر هاهنا غير السادر الأول ، لأ نّه هاهنا المغمى عليه كأنه سكران ؛ وأصله من سدر البعير من شدة الحرّ وكثرة الطَّلاء بالقَطِران ، فيكون كالنائم لا يحسّ ، ومراده عليه السلام هاهنا أ نّه بَدَأ بهِ المرض . ولادِمة للصدر : ضاربة له ، والتِدام النساء : ضربهنَّ الصدور عند النياحة . سكرة مُلْهِثة : تجعل الإنسان لاهثا لشدّتها لهثَ يَلْهَثُ لهثَانا ولِهاثاً ، ويروى « ملهية » بالياء ، أي تُلهي الإنسان وتشغله .
والكارثة « فاعلة » من كرثه الغم يكرُثه بالضمّ ، أي اشتدّ عليه وبلغ منه غاية المشقة . الجذبة : جذب الملك الرُّوح من الجسد أو جذب الإنسان إذا احتضر ليُسَجَّى . والسَّوْقة : من سياق الرُّوح عند الموت . والمبْلِس : الذي يَيئس من رحمة اللّه ، ومنه سمِّيَ إبليس . والإبلاس أيضا : الانكسار والحزن . والسَّلِس : السَّهْل المقادة . والأعواد : خشب الجنازة . ورَجِيع وَصِب : الرَّجِيع المعنى الكالّ : والوصِب : الوجع ، وصِب الرجل يَوْصَب ، فهو واصب ، وأوصبه اللّه فهو مُوصب . والموصَّب بالتشديد : الكثير الأوجاع . والنِّضْو : الهزيل . وحشّده الإخوان : جمع حاشد ؛ وهو المتأهّب المستعدّ . ودار غربته : قبره . وكذلك منقطَع زورته ؛ لأنّ الزيارة تنقطع عنده . ومفرد وَحْشته نحو ذلك ، لانفراده بعمله ، واستيحاش الناس منه ؛ حتى إذا انصرف المشيِّع وهو الخارج مع جنازته ، أُقعِد في حفرته . هذا تصريحٌ بعذاب القبر . والنجيّ : المناجي . ونزول الحمِيم وتَصْلية الجَحِيم ، من الألفاظ الشريفة القرآنية .
ثم نفى عليه السلام أن يكون في العذاب فتور يجد الإنسان معه راحة ، أو سكون يزيح عنه الألم أي يزيلـه ، أو أنّ الإنسـان يجـد في نفسه قوّة تحجز بينه وبين الألم ، أي تمنع ويموت موتا نـاجـزا معجّلاً ، فيستريح ، أو ينام فيسلـو وقتَ نومه عَمّا أصابه من الألم في اليقظة كما في دار الدنيا .
ثم قال : « بين أطْوَار الموتات » ، وهذا في ظاهره متناقض ؛ لأ نّه نفى الموتَ مطلقا ، ثم قال : « بين أطوار الموتات » .
والجواب : أ نّه أراد بالموتات الآلام العظيمة ؛ فسمَّـاها موتات ؛ لأنّ العرب تسمِّي المشقة العظيمة موتا ، كما قال :
* إنّمَا الْمَيْتُ مَيِّتُ الأحْيَاء ۱ *
ويقولون : الفقر الموت الأحمر ، واستعمالها مثل ذلك كثير جدا .

1.صدره : * لَيْسَ مَنْ مَاتَ فاستراحَ بميْتٍ * من أبيات قالها ابن الرعلاء الضبابي في يوم عين أباغ . الكامل في التاريخ لابن الأثير ۱ : ۳۲۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
256

وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِيَةٌ ، بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ ، وَعَذَابِ السَّاعَاتِ ! إِنَّا بِاللّهِ عَائِذُونَ!

الشّرْحُ :

أم هنا إمّا استفهامية على حقيقتها ؛ كأنه قال : أعِظُكُم وأذكِّركم بحال الشيطان وإغوائه ، أم بحال الإنسان منذ ابتدأ وجوده إلى حين مماته ، وإمّا أنْ تكون منقطعة بمعنى « بل » كأنه قال : عادلاً وتاركا لما وعظهم به ؛ بل أتلو عليكم نبأ هذا الإنسان الذي حاله كذا.
الشُّغُف بالغين المعجمة : جمع شَغاف ، بفتح الشين ، وأصله غلاف القلب ، يقال : شغفه الحبّ ، أي بلغ شغافه ، وقرئ : « قَدْ شَغَفَهَا حُبّا »۱ . والدّهاق : المملوءة ، ويروى « دفاقا » من دَفَقت الماء أي صببته .
قال : « وعلَقَةً محاقاً » ، المحاق : ثلاث ليال من آخر الشهر ، وسميت محاقاً ؛ لأنّ القمر يمتحق فيهنّ ، أي يخفى وتبطل صورته ، وإنما جعل العلَقة محاقاً هاهنا ؛ لأنها لم تحصل لها الصورة الإنسانية بعد ؛ فكانت ممحوّة ممحوّة ممحوقة . واليافع : الغلام المرتفع ، أيْفَع وهو يافع ؛ وها من النوادر . وغلام يَفَع ويَفَعة وغلمان أيفاع وَيَفَعة أيضا .
قوله : « وَخَبَط سادراً » ؛ خَبَط البعير إذا ضرب بيديه إلى الأرض ، ومشى لا يتوقى شيئا . والسادر : المتحيّر ، والسادر أيضا : الذي لا يهتمّ ولا يبالي ما صنع ، والموضع يحتمل كلا التفسيرين . والماتح : الذي يستقي الماء من البئر وهو على رأسها . والمائح : الذي نزل البئر إذا قلّ ماؤها ، فيملأ الدلاءَ . وسُئِل بعض أئمة اللغة عن الفرق بين الماتح والمائح ، فقال : اعْتَبرْ نقطَتي الإعجام ، فالأعلى للأعلى ، والأدنى للأدنى . والغَرْب : الدلو العظيمة . والكدْح : شدّة السعي والحركة ، قال تعالى : « يَاأيُّهَا الإِنسَان إنَّكَ كَادِحٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحا »۲ .
قوله : « وبَدَوات » ، أي ما يخطر له من آرائه التي تختلف فيها دواعيه ، فتقدم وتحجِم ، ومات غريراً ، أي شابا ، ويمكن أن يُرَاد به أنه غيرُ مجرّب للأمور . والهفْوة : الزلّة ، هفا يهفو . لم يُفِدْ عوضا ، أي لم يكتسب . وغُبَّر جماحه : بقاياه . والجِماح الشِّرّة وارتكاب الهوى . وسَنَن مِرَاحه ، السَّنَن : الطريقة ، والمِرَاح : شدَّة الفرح والنشاط .

1.سورة يوسف ۳۰ .

2.سورة الانشقاق ۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 91732
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي