331
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشَّجَرِ؛ نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ؛ وَبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ؛ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَثَمَرٌ لاَ يُنَالُ فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى ، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى .
سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ ، وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ ؛ سِيرَتُهُ الْقَصْدُ ، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ ، وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ ، وَحُكْمُهُ الْعَدْلُ؛ أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ ، وَغَبَاوَةٍ مِنَ الْأُمَمِ .

الشّرْحُ :

تناسختهم ، أي تناقلتهم ، والتناسخ في الميراث : أنْ يموت ورثة بعد ورثة ، وأصل الميراث قائم لم يقَسّم ، كأنّ ذلك تناقل من واحد إلى آخر ، ومنه : نسخت الكتاب وانتسخته واستنسخته ، أي نقلت ما فيه . ويروى « تناسلتْهم » . والسّلَف : المتقدمون ، والخلف : الباقون ، ويقال : خَلَف صدق بالتحريك ، وخَلْف سوء ، بالتسكين . وأفضت كرامة اللّه إلى محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، أي انتهت . والأرومات : جمع أرومة ؛ وهي الأصل ؛ ويقال أروم بغير هاء . وصدع : شقّ . وانتجب : اصطفى . والأُسرة : رهط الرجل .
وقوله : « نبتت في حرم » يجوز أن يعني به مكّة ، ويجوز أن يعني به المنعة والعزّ . وبسقت : طالت ، ومعنى قوله : « وثمر لا ينال » ليس على أن يريد به أنّ ثمرها لا ينتفع به ؛ لأنّ ذلك ليس بمدح ، بل يريد به أنّ ثمرها لا ينال قهراً ، ولا يجنى غصباً . ويجوز أنْ يريد بثمرها ، نفسه عليه السلام ، ومَنْ يجري مجراه من أهل البيت : ؛ لأنهم ثمرة تلك الشجرة . ولا ينال ، أي لا ينال مساعيهم ومآثرهم ولا يباريهم أحد ، وقد روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في فضل قريش وبني هاشم الكثير المستفيض . وسطع الصبح يسطع سطوعا ، أي ارتفع ، والسَّطيع : الصبح . والزَّند : العود تقدح به النار ، وهو الأعلى ، والزَّنْدة : السفلى فيها ثقب ، وهي الأنثى ، فإذا اجتمعا قيل : زَنْدان ولم يقل : زندتان ، تغليبا للتذكير ، والجمع زناد وأزنُد وأزناد . والقصد : الاعتدال . وكلامه الفصل ، أي الفاصل ، والفارق بين الحق والباطل وهو مصدر بمعنى الفاعل ، كقولك : رجل عَدْل ، أي عادل . والهفوة : الزلّة ، هفا يهفو . والغباوة : الجهل وقلة الفطنة ، يقال : غبيت عن الشيء وغبيت الشيء أيضا ، أغبى غباوة إذا لم يفطن له ، وغبيَ عليّ الشيء كذلك ، إذا لم تعرفه ، وفلان غبيّ على « فعيل » ، أي قليل الفطنة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
330

لَهُ فَيَنْتَهِيَ ، وَلاَ آخِرَ لَهُ فَيَنْقَضِيَ .

الشّرْحُ :

البركة : كثرة الخير وزيادته ، وتبارك اللّه منه ، وبركتُ ، أي دعوتُ بالبرَكة ، وطعام بريك أي مبارك . ويحتمل « تبارك اللّه » معنيين :
أحدُهما : أنْ يُراد : تبارك خَيْره وزادت نعمته وإحسانه ، وهذا دعاء .
وثانيهما : أن يُراد به : تزايد وتعالٍ في ذاته وصفاته عن أن يُقاس به غيره ، وهذا تمجيد .
قوله عليه السلام : « لا يبلغه بعد الهمم » أي بعد الأفكار والأنظار ، عبّر عنها بالهمم لمشابهتها إياها . وحَدْس الفِطَن : ظنّها وتخمينها ، حَدَست أحدِس ، بالكسر . ويُسأل عن قوله : « لا غاية له فينتهي ، ولا آخر له فينقضِي » ، فيقال : إنما تدخل الفاء فيما إذا كان الثاني غير الأول ، وكقولهم : ما تأتينا فتحدثَنا ، وليس الثاني هاهنا غير الأول ؛ لأنّ الانقضاء هو الآخرية بعينها ، فكأنه قال : لا آخر له ، فيكون له آخر ، وهذا لغْو ؛ وكذلك القول في اللفظة الأُولى .
وينبغي أن يقال في الجواب : إن المراد : لا آخر له بالإمكان والقوّة فينقضي بالفعل فيما لا يزال ، ولا هو أيضا ممكن الوجود فيما مضى ، فيلزم أن يكون وجوده مسبوقاً بالعدم ، وهو معنى قوله : « فينتهي » بل هو واجب الوجود في حالين : فيما مضى وفي المستقبل ، وهذان مفهومان متغايران ، وهما العدم وإمكان العدم ؛ فاندفع الإشكال .

الأصْلُ :

۰.ومنها :فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ ، وَأَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ ، تَنَاسَخَتْهُمْ كَرَائِمُ الْأَصْلاَبِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ الْأَرْحَامِ؛ كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ سَلَفٌ ، قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ اللّهِ خَلَفٌ . حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ؛ فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً ، وَأَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً ؛ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ ، وَانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ . عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ ، وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 91802
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي