343
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

يده هاهنا : نعمته ، يقال : لفلان عندي يد ، أي نعمة وإحسان ، قال الشاعر :

فإنْ ترجع الأيامُ بيني وبينَهافإنّ لها عندي يداً لا أُضيعها
وصادعاً ، أي مظهراً ومجاهراً للمشركين ، قال تعالى : « فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ »۱ . وراية الحقّ : الثَّقَلان المخلّفان بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ؛ وهما الكتاب والعِتْرة ۲ . ومَرَق : خرج ، أي فارق الحَقّ ، ومرق السهم عن الرميّة : خرج من جانبها الآخر ، وبه سُمِّيت الخوارج مارقة. وزهَقَت نفسه ، بالفتح زُهوقاً ، أي خرجت ، قال تعالى : « وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافرونَ»۳ . وزهَقَت الناقة ؛ إذا سبقت وتقدّمت أمام الرِّكاب ، وزهقَ الباطل : اضمحلّ ، يقول عليه السلام : مَنْ خالفها متقدّماً لها أو متأخرا عنهاً فقد خرج عن الحق ، ومن لازمها فقد أصابَ الحق . ثم قال : « دليلها مكيث الكلام » ، يعني نفسَه عليه السلام ؛ لأ نّه المشارُ إليه من العِتْرة ، وأعلمُ النّاس بالكتاب . ومكيث الكلام : بطيؤه ، ورجل مَكِيث ، أي رزين ، والمُكْث : اللَّبث والانتظار ، مَكَثَ ومكُث بالفتح والضم ، والاسم المُكْث والْمُكْثة بالضم وكسرها ، يعني أنه ذو أناة وتؤدة ، ثم أكّد ذلك بقوله : « بطيء القيام » . ثم قال : « سريع إذا قام » ، أي هو متأنٍّ متثبّت في أحواله ، فإذا نهض جَدّ وبالغ ، وهذا المعنى كثير جداً .
واعلم أن هذه الخطبة خطبَ بها أمير المؤمنين عليه السلام في الجمعة الثالثة من خلافته ، وكَنّى فيها عن حال نفسه ، وأعلمهم فيها أنّهم سيفارقونه ويفقدونه بعد اجتماعهم عليه ، وطاعتهم له ، وهكذا وقع الأمر ، فإنه نُقِل أنّ أهل العراق لم يكونوا أشدَّ اجتماعا عليه من الشهر الذي قُتِل فيه عليه السلام .
ومعنى قوله : « ألنتم له رقابَكم » أطعتموه ؛ ومعنى « أشرتم إليه بأصابعكم » أعظمتموه وأجللتموه ، كالملك الذي يشار إليه بالإصبع ، ولا يخاطب باللسان . ثم أخبرهم أنّهم يلبثون بعده ما شاء اللّه ، ولم يحدّد ذلك بوقت معين . ثم يطلع اللّه لهم مَنْ يجمعهم ويضمّهم ، يعني من

1.سورة الحجر ۹۴ .

2.المعجم الكبير للطبراني ۵ : ۱۶۷ / ح۴۹۷۰ ، صحيح مسلم ۵ : ۲۵ ـ ۲۶ ح۲۴۰۸ ، المستدرك على الصحيحين ۳ : ۱۱۸ و۱۶۰ ح۴۵۷۶ و۴۷۱۱ . الصواعق المحرقة : ص۱۴۹ ، البداية والنهاية لابن كثير ۵ : ۲۲۸ و۷ : ۳۸۶ ، السنن الكبرى للبيهقي ۷ : ۳۰ .

3.سورة التوبة ۸۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
342

بحركته الفلانية إلى كذا ، أي يقصد وينتهي بإرادته وأغراضه ولا يعدوه ولا يتجاوزه . والحثيث : السريع . ويحدوه : يسوقه . والمنافسة : المحاسدة ، ونفست عليه بكذا ، أي ضَنِنت . والبُؤْس : الشدّة . والنفاد : الفناء . وما في قوله : « على أثر الماضي ما يمضي الباقي » إمّا زائدة أو مصدرية .
قوله عليه السلام : « عند مساورة الأعمال القبيحة » العامل في « عند » قوله : « اذكروا » أي ليكن ذكرُكم الموت وقت مساورتِكم ، والمساورة : المواثبة ، وسارَ إليه يَسُور سَوْرا : وثب .

99

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ ، وَالْبَاسِطِ فِيهمْ بِالْجُودِ يَدَهُ . نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ ، وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ ، وَنََشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً ، وَبَذِكْرِهِ نَاطِقاً ، فَأَدَّى أَمِيناً ، وَمَضَى رَشِيداً؛ وَخَلَّفَ فِينَا رَايَةَ الْحَقِّ ، مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ ، وَمَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ ، دَلِيلُهَا مَكِيثُ الْكَـلاَمِ ، بَطِيءُ الْقِيَامِ ، سَرِيعٌ إِذَا قَامَ . فَإِذَا أَنْتُمْ أَلَنْتُمْ لَهُ رِقَابَكُمْ ، وَأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِكُمْ ، جَاءَهُ الْمَوْتُ فَذَهَبَ بِهِ ، فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللّهُ حَتَّى يُطْلِعَ اللّهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ وَيَضُمُّ نَشْرَكُمْ ، فَـلاَ تَطْمَعُوا فِي غَيْرِ مُقْبِلٍ ، وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ مُدْبِرٍ ، فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِهِ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ ، وَتَثْبُتَ الْأُخْرى ، فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً .
أَلاَ إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ : إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ . فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللّهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ ، وَأَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89128
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي