يُفْتَقَدْ ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى ، وَأَعْلاَمُ السُّرَى ، لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ ، وَلاَ الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ ، أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ ، وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، سَيَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الاْءِسْلاَمُ ،كَمَا يُكْفَأُ الاْءِنَاءُ بِمَا فِيهِ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللّهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ ، وَلَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيكُمْ ، وَقَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ : « إِنَّ في ذلِكَ لاَيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ »۱ .
قال الرضي رحمه الله :
أمّا قوله عليه السلام : «كلّ مؤمِنٍ نُوَمَةٍ» فإنما أراد به الخامل الذكر القليل الشر ، والمساييح : جمع مِسياح ، وهو الذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم ، والمذاييع : جمع مِذْياع ، وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها ، ونوّه بها ، والبُذُرُ : جمع بَذُور وهو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه .
الشّرْحُ :
شهد : حضر ، وكفأت الإناء ، أي قلبتُه وكببته . وقال ابن الأعرابيّ : يجوز أكفأته أيضاً ، والبُذُر : جمع بَذُور مثل صَبُور وصُبُر ؛ وهو الذي يذيع الأسرار ، وليس كما قال الرضي رحمه الله ، فقد يكون الإنسان بَذُوراً وإن لم يكثُر سفهه ولم يلغ منطقة ؛ بأن يكون عُلنَة مذياعاً من غير سفه ولا لغو . والضرّاء : الشدّة ، ومثلها البأساء ؛ وهما اسمان مؤنثان من غير تذكير . ومثل قوله عليه السلام : « كلّ مؤمن نُوَمة إنْ شهد لم يعرَف وإن غاب لم يفتقد » ، قولُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « رب أشعثَ أغبر ذي طِمْرين لا يُؤْبَه له ، لو أقسم على اللّه لأبرّ قسمه » .
ومعنى قوله عليه السلام : « وإن غاب لم يفتقد » ، أي لا يقال : ما صنع فلان ؟ ولا أين هو ؟ أي هو خامل لا يعرف . وقوله : « أولئك يفتح اللّه بهم أبواب الرحمة ، ويكشف بهم ضرّاء النقمة » ، وروي : « أولئك يفتح اللّه بهم أبواب رحمته ، ويكشف بهم ضرّاء نقمته » ، أي ببركاتهم يكون الخير ويندفع الشر .
ثم ذكر عليه السلام أنه سيأتي على الناس زمانٌ تنقلب فيه الأُمور الدينية إلى أضدادها ونقائضها ، وقد شهدنا ذلك عياناً .