405
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ ، وَأَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ ؛ فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَـئِس ، وَالْبَلاَغَ لِلْمُلْتَمِس . نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ الأنَامُ ، وَمُنِعَ الْغَمَامُ ، وَهَلَكَ الْسَّوَامُ أَلاَّ تُؤاخِذَنَا بَأَعْمَالِنَا ، وَلاَ تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا . وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ ، وَالرَّبِيعِ الْمُغْدِقِ ، وَالنَّبَاتِ الْمُونِقِ ، سَحّاً وَابِلاً تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ وَتَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ .
اللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ مُحْيِيَةً مُرْوِيَةً ، تَامَّةً عَامَّةً ، طَيِّبَةً مُبَارَكَةً ، هَنِيئَةً مَرِيئَةً مَرِيعَةً ، زَاكِياً نَبْتُهَا ، ثَامِراً فَرْعُهَا ، نَاضِراً وَرَقُهَا ، تُنْعِشُ بِهَا الضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَتُحْيِي بِهَا الْمَيِّتَ مِنْ بِلاَدِكَ!
اللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا ، وَتَجْرِي بِهَا وِهَادُنَا ، وَيُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا وَتُقْبِلُ بِهَا ثِمَارُنَا وَتَعِيشُ بِهَا مَوَاشِينَا ، وَتَنْدَى بِهَا أَقَاصِينَا ، وَتَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا ، مِنْ بَرَكَاتِكَ الْوَاسِعَةِ ، وَعَطَايَاكَ الْجَزِيلَةِ ، عَلَى بَرِيَّتِكَ الْمُرْمِلَةِ ، وَوَحْشِكَ الْمُهْمَلَةِ . وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا سَمَاءً مُخْضِلَةً ، مِدْرَاراً هَاطِلَةً ، يُدَافِعُ الْوَدْقُ مِنْهَا الْوَدْقَ ، وَيَحْفِزُ الْقَطْرُ مِنْهَا الْقَطْرَ ، غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا ، وَلاَ جَهَامٍ عَارِضُهَا ، وَلاَ قَزَعٍ رَبَابُهَا ، وَلاَ شَفَّانٍ ذِهَابُهَا ، حَتَّى يُخْصِبَ لاِءِمْرَاعِهَا الُْمجْدِبُونَ ، وَيَحْيَا بِبَرَكَتِهَا المُسْنِتُونَ ، فَإِنَّكَ تُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا ، وَتَنْشُرُ رَحْمَتَكَ وَأَنْتَ الْوَلِيُّ الْحَميدُ .

۰.قال الشريف الرضي رحمه اللّه تعالى :قوله عليه السلام : «انْصَاحَتْ جِبَالُنَا» ، أي تَشَقّقَتْ مِنَ المحُولِ ، يُقَالُ : انْصَاحَ الثّوْبُ إذَا انْشَقّ . وَيُقَالُ أيْضاً : انْصَاحَ النّبْتُ وَصَاحَ وَصَوّحَ إذَا جَفّ وَيَبِسَ ؛ كُلّهُ بمَعْنىً .
وَقَوْلُهُ : «وَهَامَتْ دَوَابّنَا» ، أيْ عَطِشَتْ ، وَالهُيَامُ : الْعَطَشُ .
وَقَوْلُهُ : «حَدَابِيرُ السّنِينَ» جمع حِدبار ، وهي الناقَة التي أنضاها السّيرُ ، فشبّه بها السنة التي فشا فِيهَا الجَدْبُ ، قَالَ ذو الرّمّةِ :

حَدَابِيـرُ مَـا تَنْفَـكُّ إلاّ مُنَاخَـةًعَلى الْخَسْفِ أوْ نَرْمِي بِهَا بَلَداً قَفْرَا
وَقَوْلُهُ «وَلاَ قَزَعٍ رَبَابهَا» ، الْقَزَعُ : الْقِطَعُ الصّغَارُ الْمُتَفَرّقَةُ مِنَ السَّحَابِ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
404

وضُمِن لكم الثاني ، فلا تجعلوا المضمون حصولُه لكم هو المخصوص بالحِرْص والاجتهاد ، بل ينبغي أن يكون الحرص والاجتهاد فيما أُمرتم بعمله وهو العبادة .
ثم ذكر أنّ رجعة العمر غيرُ مرجوّة ، ورجعة الرزق مرجوّة ؛ أوضح ذلك بأن الإنسان قد يذهب منه اليوم درهم فيستعيضه ، أي يكتسب عِوَضه في الغدِ ديناراً ، وأمّا « أمس » نفسه فمستحيل أن يعود ولا مثله ؛ لأنّ الغد وبَعْد الغد محسوب من عمره ؛ وليس عوضاً من الأمس الذاهب .
وقوله : « الرجاء مع الجائي ، واليأس مع الماضي » ، كلام يجري مجرى المثل ، وهو تأكيد للمعنى الأول ، وجعل الجائي مرجوّا ؛ لأ نّه لا يعلم غيبه ، قال الشاعر ۱ :

مَا مَضَى فَاتَ والمقدَّر غَيْبٌولَكَ السَّاعةُ التي أنت فيها
وقوله : « حق تقاته » ، أي حقّ تقيّته ، أي خوفه ، اتّقى يتقي تقية وتقاة ، ووزنها « فُعَلة » وأصلها الياء .

114

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام في الاستسقاءاللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا ، وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا ، وَهَامَتْ دَوَابُّنَا ، وَتَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا ، وَعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَى عَلَى أَوْلاَدِهَا ، وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ في مَرَاتِعِهَا ، وَالْحَنِينَ إِلَى مَوَارِدِهَا!
اللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الآنـّةِ ، وَحَنِينَ الْحَانَّةِ!
اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا وَأَنِينَهَا فِي مَوَالِجِهَا!

1.البداية والنهاية ۱۲ : ۲۴۹ وفيه : والمؤمّل غيب ، تاريخ مدينة دمشق ۷ : ۵۳ والبيت لإبراهيم بن يحيى الغزّي (ت / ۵۲۴ ه) .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89133
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي