وذلك أنّ الآخرة اليوم عَدَمٌ محضٌ ، والإنسان قَدِم من العدَم ، وإلى العدم ينقلب ؛ فقد صحّ أنه قَدِم من الآخرة ويرجع إلى الآخرة .
وروي : « أنّ العالم بالبصَر » أي بالبصيرة ، فيكون هو وقوله : « فالناظر بالقلب » ، سواء ؛ وإنما قاله تأكيدا ، وعلى هذا الوجه لا يحتاج إلى تفسير وتأويل ، والمراد بالبصر هاهنا البصيرة ، فيصير تقدير الكلام : فالناظر بقلبه ، العامل بجوارحه يكون مبتدأ عمله بالفكر والبصيرة ، بأن يعلم : أَعَمَلُه له أم عليه!
ويروى : « كالسابل على غير طريق » ، والسابل : طالب السبيل ؛ وقد جاء في الخبر المرفوع : « مَنْ عمِل بغير هدى ، لم يزدد من اللّه إلاّ بعداً » .
الأصْلُ :
۰.وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ ، وَمَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ . وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم : «إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ ، وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ ، وَيُحِبُّ الْعَمَلَ وَيُبْغِضُ بَدَنَهُ» .
الشّرْحُ :
هذا الكلام مشتقّ من قوله تعالى : « وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلاَّ نَكِدا »۱ ، وهو تمثيل ضربه اللّه تعالى لمن ينجع فيه الوعظ والتذكير من البشر ؛ ولمن لا يؤثّر ذلك فيه ، مثّله بالأرض العذبة الطيبة تخرج النبْت ، والأرض السبخة الخبيثة لا تنبت ؛ وكلام أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا المعنى يومِئ . يقول : إن لكلتا حالتِي الإنسان الظاهرة أمرا باطنا يناسبها من أحواله ؛ والحالتان الظاهرتان : ميله إلى العقل وميله إلى الهوى ؛ فالمتّبع لمقتضى عقله يرزق السعادة والفوز ؛ فهذا هو الذي طاب ظاهره ، وطاب باطنه ، والمتّبع لمقتضى هواه وعادته ودين أسلافه يرزق الشّقاوة والعطب ؛ وهذا هو الذي خبُث ظاهره وخَبُث باطنه .