527
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

يقطعوا رزقه ويحرِموه ، فقال عليه السلام : إنّ ذلك ليس مما يقرّب من الأجل ، ولا يقطع الرزق وينبغي أن يحمَل كلامُه عليه السلام على حال السلامة وغلبة الظنّ بعدم تطرّق الضرر الموفِي على مصلحة النهي عن المنكر .
ثم أمر باتباع الكتاب العزيز ، ووصفه بما وصفَه به . وماء ناقع ، ينقع الغلة ، أي يقطعها ويُروى منها . ولا يزيغ : يميل فيُستعتب : يطلب منه العتبى هي الرضا ؛ كما يطلب من الظالم يميل فيسترضى . قال : ولا يخلقه كثرة الردّ وولوج السمع ، هذا من خصائص القرآن المجيد شرّفه اللّه تعالى ، وذلك أنّ كلّ كلام منثور أو منظوم إذا تكررت تلاوته وتردّد ولوجُه الأسماع ملّ وسُمج واستُهجن ؛ إلاّ القرآن فإنه لا يزال غضا طريّا محبوبا غير مملول .

157

الأصْلُ :

۰.وقام إليه عليه السلام رجل ، فقال : أخبرنا عن الفتنة
وهل سألتَ عنها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ؟
فقال عليه السلام : إنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ ، قَوْلَهُ : « الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْركُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لاَ تَنْزِلُ بِنَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّه مَا هذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتي أَخْبَرَكَ اللّهُ تَعَالَى بِهَا ؟ فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ بَعْدِي .
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، أَوَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَحِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيَّ ، فَقُلْتَ لِي : أبْشِرْ ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ ؟ فَقَالَ لِي : إِنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذَاً؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، لَيسَ هذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ ، وَلكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَالشُّكْرِ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
526

القرآن العزيز ۱ . وتزلف لهم : تقدّم لهم وتقرّب إليهم . ولا مقصر لي عن كذا : لا محبس ولا غاية لي دونه . وأرقل : أسرع . والمضمار : حيث تستبِق الخيل .

الأصْلُ :

۰.منها :قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الْأَجْدَاثِ ، وَصَارُوا إِلَى مَصَائِرِ الْغَايَاتِ . لِكُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا لاَ يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَلاَ يُنْقَلُونَ عَنْهَا . وَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، لَخُلْقَانِ مِنْ خُلْقِ اللّهِ سُبْحَانَهُ ؛ وَإِنَّهُمَا لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ ، وَلاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ . وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللّهِ ، فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، وَالرِّيُّ النَّاقِعُ ، وَالْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ ، وَالنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ . لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَامَ ، وَلاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ ، وَلاَ تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ ، وَوُلُوجُ السَّمْعِ . مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ .

الشّرْحُ :

شَخَصُوا من بلد كذا : خرجوا . ومستقرّ الأجداث : مكان استقرارهم بالقبور ؛ وهي جمع جَدَث . ومصائر الغايات : جمع مَصِير ، والغايات : جمع غاية وهي ما ينتهى إليه .
ثم ذكر أن أهل الثواب والعقاب ؛ كلّ من الفريقين يقيم بدار لا يتحوّل منها ؛ وهذا كما ورد في الخبر : « إنه ينادِي منادٍ : يا أهل الجنّة سعادة لا فناء لها ، ويا أهل النار ؛ شقاوة لا فناء لها » . ثم ذكر أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خُلقان من خُلُق اللّه سبحانه ؛ وذلك لأ نّه تعالى ما أمر إلاّ بمعروف ، وما نهى إلاّ عن منكر ؛ ويبقى الفرق بيننا وبينه أنّا يجب علينا النهي عن المنكر بالمنع منه ، وهو ـ سبحانه ـ لا يجب عليه ذلك ؛ لأ نّه لو منع من إتيان المنكر لبطل التكليف .
ثم قال : « إنّهما لا يقرّ بان من أجَلٍ ، ولا ينقصان من رزق » ، وإنما قال عليه السلام ذلك ؛ لأنّ كثيرا من الناس يكفّ عن نهي الظلمة عن المناكير ؛ توهّما منه أنّهم إمّا أن يبطشوا به فيقتلوه ، أو

1.من قوله تعالى : « وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلمُتَّقِينَ * وبُرّزتِ الجحيمُ للغاوين » .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89147
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي