663
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

عُيُونُهُ ، وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « وإنّها لتحتُّ الذّنوب » ، الحتّ : نثر الورق من الغصن ، وانحاتّ ، أي تناثر ؛ وقد جاء هذا اللفظ في الخبر النبويّ بعينه . والرِّبَق : جمع رِبْقة ، وهي الحبل ، أي تطلق الصلاة الذنوب كما تطلق الحبال المعقّدة ، أي تحلّ ما انعقد على المكلَّف من ذنوبه . وهذا من باب الاستعارة .
ويروى : « تعهّدوا أمر الصلاة » بالتضعيف ، وهو لغة ، يقال : تعاهدت ضَيْعتِي وتعهّدتها وهو القيام عليها ، وأصله من تجديد العهد بالشيء ، والمراد المحافظة عليه ؛ وقوله تعالى : « إنَّ الصَّلاَة كَانَتْ عَلَى المُؤمِنِينَ كِتَابا مَوْقُوتا » ، أي واجباً ، وقيل موقوتاً ، أي منجّماً كلّ وقت لصلاة معيَّنة ؛ وتؤدى هذه الصلاة في نجومها .
وقوله : « كتاباً » أي فرضاً واجباً ، كقوله تعالى : « كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نفسِه الرَّحْمَةَ » 1 ، أي أوجب . والحَمَّةُ : الحفيرة فيها الحميم وهو الماء الحارّ ، وهذا الخبر من الأحاديث الصحاح ، قال صلى الله عليه و آله وسلم : « أيسرّ أحدكم أن تكون على بابه حَمّة يغتسل منها كلّ يوم خمس مرات ، فلا يبقى عليه من دَرَنِه شيء ؟ قالوا : نعم ، قال : فإنَّها الصلوات الخمس » . والدَّرَن : الوسخ .
والتجارة في الآية ، إمّا أنْ يراد بها : لا يشغلهم نوع من هذه الصناعة عن ذكر اللّه . ثمّ أفرد البيع بالذكر ، وخصّه وعطفه على التجارة العامة ؛ لأ نّه أدخل في الإلهاء ، وإمّا أن يريد بالتجارة الشراء خاصة إطلاقاً لاسم الجنس الأعمّ على النوع الأخصّ ، كما تقول : رزق فلان تجارة رابحة ، إذا اتّجه له شراء صالح ، فأمّا إقام الصلاة فإنّ التاء في « إقامة » عوض من العين الساقطة للإعلال ، فإنّ أصله « إقوام » مصدر أقام ، كقولك : أعرض إعراضا ، فلما أُضيفت أُقيمت الإضافة مقام حرف التعويض ، فأُسقطت التاء .
قوله عليه السلام : وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم نصِبا بالصّلاة ، أي تَعِبا ، قال تعالى : « مَا أنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ

1.سورة الأنعام ۵۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
662

وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لاَ تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ ، وَلاَ قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَلاَ مَالٍ . يَقُولُ اللّهُ سُبْحَانَهُ : « رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ»۱ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيهِ وآلِهِ نَصِباً بِالصَّلاَةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ ، لِقَوْلِ اللّهِ سُبْحَانَهُ : « وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا »۲ ، فَكَانَ يَأُمُرُ أَهْلَهُ وَيُصْبِرُ نَفْسَهُ .
ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلاَةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ الاْءِسْلاَمِ ، فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا ، فإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً ، وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً . فَـلاَ يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ ، وَلاَ يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ ، فإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْس بِهَا ، يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا ، فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ ، مَغْبُونُ الْأَجْرِ ، ضَالُّ الْعَمَلِ ، طَوِيلُ النَّدَمِ .
ثُمَّ أَدَاءَ الْأَمَانَةِ ، فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا . إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّمَاوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ ، وَالْأَرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ ، وَالْجِبَالِ ذَاتِ الطُّوْلِ الْمَنْصُوبَةِ ، فَـلاَ أَطْوَلَ وَلاَ أَعْرَضَ ، وَلاَ أَعْلَى وَلاَ أَعْظَمَ مِنْهَا . وَلَوِ امْتَنَعَ شَيْءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْض أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لامْتَنَعْنَ ؛ وَلكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، وَعَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ ، وَهُوَ الاْءِنْسَانُ ، «إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً »۳ .
إِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ . لَطُفَ بِهِ خُبْراً ، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْماً . أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ ، وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ ، وَضَمَائِرُكُمْ

1.سورة النور ۳۷ .

2.سورة طه ۱۳۲ .

3.سورة الأحزاب ۷۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 91714
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي