15
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

213

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلام لمّا مر بطلحة بن عبيد اللّه وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وهما قتيلان يوم الجمل :لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهذَا الْمَكَانِ غَرِيباً ! أَمَا وَاللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ قَتْلَى تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ ! أَدْرَكْتُ وِتْرِي مِنْ بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ، وَأَفْلَتَتنِي أَعْيَانُ بَنِي جُمَحَ ، لَقَدْ أَتْلَعُوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ فَوُقِصُوا دُونَهُ!

الشّرْحُ:

هو عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أُميّة بن عبد شمس . ليس بصحابيّ ، ولكنّه من التابعين .
واعلم أنّه عليه السلام أخرج هذا الكلام مخرج الذمّ لمن حضر الجمل مع عائشة زوجة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلممن بني جُمَح ، فقال : «وأفلتتْنِي أعيارُ بني جُمَح» ، جمع عَيْر وهو الحمار ، وقد كان معها منهم يوم الجمل جماعة هربوا ، ولم يقتل منهم إلاّ اثنان ، فإنْ صحّت الرواية : «وأفلتني أعيان بني جُمح» ، بالنون ، فالمراد رؤساؤهم وساداتهم .
وأتلعوا أعناقهم : رفعوها، ورجل أتْلَع بيّن التَلع ، أي طويل العنق، وجِيدٌ تلِيع أي طويل .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
14

قرأت في كتاب «غريب الحديث» لأبي محمد عبد اللّه بن قتيبة في حديث حُذَيفة بن اليمان ، أنّه ذكر خروج عائشة ، فقال : «تقاتل معها مُضَر ، مضّرها اللّه في النار ۱ ، وأزد عُمان سلَت اللّه أقدامها ۲ ، وإنّ قيسا لن تنفكّ تبغي دين اللّه شرّا ، حتى يركبها اللّه بالملائكة ، فلا يمنعوا ذَنَب تَلْعة ۳ » .
قلت : هذا الحديث من أعلام نبوّة سيدنا محمد صلى الله عليه و آله وسلم ؛ لأنّه إخبار عن غيب تلقّاه حُذيفة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ؛ وحُذَيفة أجمع أهل السيرة على أنه مات في الأيّام التي قتل عثمان فيها أتاه نعيُه وهو مريض ، فمات وعليٌّ عليه السلام لم يتكامل بيعة الناس ، ولم يدرك الجمل .
وهذا الحديث يؤكّد مذهب أصحابنا في فسق أصحاب الجمل ، إلاّ مَنْ ثبتت توبتُه منهم ، وهم الثلاثة ۴ .

1.قال ابن الأثير في شرحه للحديث : «أي جعلها في النار ، فاشتق لذلك لفظا من اسمها ؛ يقال : مضّرنا فلانا فتمضر ، أي صيرناه كذلك ، أي نسبناه إليها . النهاية ۴:۹۸ .

2.التلاع : مسايل الماء ، من علوّ إلى سفل ، واحدها تلعة ، وذنب التلعة : أسفلها ، قال الزمخشري : «أي يذلّها اللّه حتى لا تقدر على أن تمنع ذنب تلعة . الفائق ۳ : ۳۲ .

3.صريح مذهب الإمامية ، أنّ الخارج على أمير المؤمنين عليه السلام والمقاتل له كافر ؛ بدليل إجماع الفرقة المحقّة على ذلك . وأن المحاربين له كانوا منكرين لإمامته ، ومنكر الإمامة كمنكر النبوة سواء ؛ لقوله صلى الله عليه و آله وسلم : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» . وأمّا حديث توبتهم فباطل ؛ لانّ الفسق معلوم ضرورة ، وما يدّعونه من التوبة طريقه الآحاد ، ولا نرجع عن المعلوم إلى المظنون . وما روي أنّه لما جاء ابن جرموز برأس الزّبير وسيفه ، تناول سيفه ، وقال عليه السلام : « سيف طال ما جلى به الكرب عن وجه رسول اللّه ، ولكن الحين ومصارع السوء» . ومن كان تائبا لا يوصف مصرعه بأنه مصرع سوء . وروى حبة العرني قال : سمعت عليا يقول : «واللّه لقد عَلِمتْ صاحبةُ الهودج أنّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبي الأُميّ» . وأمّا طلحة فقد قتل بين الصفين ، فمتى تاب؟ وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه مرّ عليه وهو مقتول ، فقال : «أَقعدوه ، فأقعدوه ، فقال : «كانت سابقة ولكن الشيطان دخل منخرك وأوردك النار» . وأمّا إصرار عائشة ، فإنّ ما روي من المحاورة بين عبد اللّه بن العباس رحمه الله وبينها ، وامتناعها عن تسميته بإمرة المؤمنين ؛ دليل واضح على إصرارها . ولمّا انتهى قتل أمير المؤمنين عليه السلام إلى عائشة تهلّل وجهها ، وقالت : فألقت عصاها واستقرّبهاالنوىكما قرّ عينا بالإياب المسافرُ فأيّ توبة مع هذه الشماتة الواضحة . وأمّا حديث العشرة المبشّرة بالجنّة ، فلا يدلّ على توبتهم ؛ لأنّه خبر واحد ضعيف مقدوح في سنده ، وأول دليل على فساده ، هو أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا يجوز أن يقول لمن ليس بمعصوم : ( أنت في الجنة) ؛ لأنّ ذلك إغراء بالقبيح . والرواية عن سعيد بن زيد ، وهو أحد العشرة ، فلا يقبل خبره ؛ لأنّه يشهد لنفسه . أُنظر : كتاب الاقتصاد للشيخ الطوسي : ص۲۳۰ ، والشافي للسيد المرتضى ۴:۳۲۲ وما بعدها .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113941
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي