183
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أهل بيتِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مع وجود من يصلُح للأمر ، أي كان الأليق بالمسلمين والأوْلى أن يجعلوا الرِّئاسة بعدَه لأهله قُربةً إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وتكريما لحرمته ، وطاعَةً له ، وأنفَة لقَدْره صلى الله عليه و آله وسلم أن تكونَ وَرَثُته سُوقةً ، يليهم الأجانب ، ومن ليس من شَجَرته وأصلِه ، ألاَ ترى أنّ هيبة الرّسالة والنبوّة في صدور الناس أعظمُ إذا كان السلطان والحاكم في الخلق من بيت النبوّة ؛ وليس يُوجد مثل هذه الهيْبة والجلال في نفوس الناس للنبوّة إذا كان السلطان الأعظمُ بعيدَ النسب من صاحب الدعوة عليه السلام !
ثم اشتَرَط على مَنْ يلي هذه الأموال أن يتركَها على أُصولها ، ويُنفِق من ثمرتها ، أي لا يقطع النخل والثمر ويبيعُه خَشَباً وعيداناً ، فيُفضي الأمرُ إلى خراب الضِّياع وعُطْلة العَقار .
قوله : «وألاّ يبيع من أولاد نخيل هذه القُرَى» ، أي من الفُسْلان الصّغار ، سمّـاها أولاداً ، وفي بعض النُّسخ ليست «أولاد» مذكورةً ، والوَديّة : الفَسِيلة . تُشْكِلَ أرضها : تمتلئ بالغِراس حتى لا يَبقَى فيه طريقة واضحة .
قوله : «أطوفُ عليهنّ» ، كنايةً لطيفة عن غِشْيان النساء ، أي من السَّراريّ ؛ فقال : من كان من إمائي لها ولد منّي ؛ أو هي حاملٌ منّي وقسمتم تركتي فلتكن أُمُّ ذلك الولدِ مبيعة على ذلك الوَلَد، ويُحَاسَب بالثمن من حصّته من التركة، فإذا بيعتْ عليه عتقتْ عليه؛ لأنّ الوَلد إذا اشتَرَى الوالدَ عَتق الوالدُ عنه ، وهذا معنى ، قوله «فتُمسَك على ولدها» ، أي تقوم عليه بقيمة الوقت الحاضر ، وهي منْ حظّه ، أي من نصيبه وقسطه من التركة . قال : فإن مات ولدها وهي حيّة بعد أن تقوم عليه فلا يجوز بيعُها؛ لأنها خرجتْ عن الرِّق بانتقالها إلى ولدها، فلا يجوز بيعُها .

25

الأصْلُ:

۰.ومن وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات
وإنّما ذكرنا هنا جُمَلاً منها ليُعلمَ بها أنّه عليه السلام كان يقيم عِمادَ الحق ، ويشرع أمثلةَ العَدْل ، في صغير الأُمور وكبيرِها ، ودقيقِها وجَليلِها .
انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَلاَ تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً ، وَلاَ تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
182

حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وَحُسَيْنٌ حَيٌّ ، قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ ، وَأَصْدَرَهُ مَصْدَرَهُ ؛ وَإِنَّ لابنَيْ فَاطِمَةَ مِنْ صَدَقةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذِي لِبَنِي عَلِيٍّ .
وَإِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الْقِيامَ بِذلِكَ إِلَى ابْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّهِ ، وَقُرْبَةً إِلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَتَكْرِيماً لِحُرْمَتِهِ ، وَتَشْرِيفاً لِوُصْلَتِهِ ، وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَالَ عَلَى أُصُولِهِ ، وَيُنْفِقَ مِنْ ثَمَرِهِ حَيْثُ أُمِرَ بِهِ وَهُدِيَ لَهُ ، وَأَلاَّ يَبِيعَ مِنْ أَوْلاَدِ نَخِيلِ هذِهِ الْقُرَى وَدِيَّةً حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاساً .
وَمَنْ كَانَ مِنْ إِمَائِي - الـلاَّتِي أَطُوفُ عَلَيْهِنَّ - لَهَا وَلَدٌ ، أَوْ هِيَ حَامِلٌ ، فَتُمْسَكَ عَلَى وَلَدِهَا وَهِيَ مِنْ حَظِّهِ ؛ فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتِيقَةٌ ، قَدْ أَفْرَجَ عَنْهَا الرِّقُّ ، وَحَرَّرَهَا الْعِتْقُ .
قال السيّد الرضي رحمه الله :
قوله عليه السلام في هذه الوصية : «وألا يبيع من نخلها وَدِيَّةً» ، الوَدِيَّةُ : الفَسِيلَةُ ، وجمعها وَدِيّ . وَقوله عليه السلام : «حتى تشكل أرضها غراساً» هو من أفصح الكلام ، والمراد به أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها ، فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها .

الشّرْحُ:

جَعلَ للحَسَن ابنه عليه السلام ولاية صَدَقات أمواله ، وأذن له أن يأكل منه بالمعروف ، أي لا يُسرِف، وإنّما يتناول منه مقدارَ الحاجة ، وما جرتْ بمثلِه عادة من يتولّى الصدقات .
ثم قال : فإن مات الحسنُ ، والحُسين بعدَه حيّ فالولايةُ للحسين ، والهاء في « مَصدرِه» ترجع إلى الأمر ، أي يصرفه في مَصارفه التي كان الحسن يصرفه فيها . ثم ذكر أنَّ لهذين الولدين حصّة من صدقاته أُسوَةً بسائر البنين ، وإنما قال ذلك ؛ لأنّه قد يتوهّم متوهِّم أنّهما لكونهما قد فوِّض إليهما النظرُ في هذه الصدقات ، قد مُنِعا أن يُسهما فيها بشيء ، وإن الصّدقات إنما يتناولها غيرُهما من بني عليّ عليه السلام ممّن لا ولاية له مع وجودهما ، ثم بيّن لماذَا خصَّهما بالولاية ؟ فقال : إنّما فعلتُ ذلك لشرفهما برسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فتقرّبتُ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمبأن جعلتُ لسِبْطيه هذه الرئاسة ، وفي هذا رَمْز وإزراء بمن صَرَف الأمر عن

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113996
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي