243
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

بمسؤوليّاتهم، ومن المصاديق البارزة لهذا النوع من البشر : الأطفال المشرّدون، والأشخاص المتخلّفون عقليّا والمجانين، فكيف يمكن أن نبرّر بلايا هؤلاء الأشخاص والذين يطلق عليهم «المستضعفون» اصطلاحا ؟
الجواب الإجمالي عن ذلك هو :
إنّ مسؤوليّة المصائب الّتي يبتلى بها المستضعفون وغير الواعين تلقى على عاتق الأشخاص الواعين باستثناء الحالات الّتي لها حِكَم خاصّة . وليكون الموضوع أكثر وضوحا يجب الانتباه إلى اُمور تالية :

1 . الاستغلال السيّئللحرّية

إنّ استغلال الأشخاص الواعين لحريّاتهم يؤدّي إلى ظهور طبقتي الظالمين والمظلومين، والمستثمِرين، والمستثمَرين ، لا أن إرادة اللّه تعلقت بذلك كي تثار التساؤلات حول عدالته ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام :
ما جاعَ فَقيرٌ إلّا بِما مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ .۱

2 . الآثار التكوينية للذنوب

إنّ الأعمال السيّئة للمكلّفين الواعين لها في عالم الأسباب تأثير في مصير المجتمع بشكل طبيعيّ وتكوينيّ،فالشخص المذنب لا يفسد حياته وحسب، بل إنّه يعرّض المجتمع للسقوط في هاوية الانحطاط.
«وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً» . ۲
فنتيجة الظلم شاملة بموجب نظام الخلق القائم على الحكمة، فالنار عندما تشبّ تأتي على الأخضر واليابس. بل إن عمل الإنسان القبيح لا يؤدّي إلى فساد المجتمع وحسب، وإنّما يفسد البيئة أيضا :
«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ» . ۳
ففي عالم الأسباب، عندما يلوذ الناس بالصمت إزاء الاعتداءات وغصب الحقوق، فإنّ أنواع البلايا ـ الّتي تمثّل الآثار التكوينيّة للذنوب ـ سوف تعمّهم جميعا حتّى المستضعفين ، بل عندها لا ينفع دعاء الصالحين لتغيير مصير المجتمع ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام :
لا تَترُكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ فَيُوَلّى عَلَيكُم شِرارُكُم ، ثُمَّ تَدعُون فَلا يُستَجابُ لَكُم .۴

3 . عدم رعاية التعليمات الصحّية

إنّ الذنب ليس هو المؤثّر الوحيد في مصير المجتمع ومنه الأشخاص المستضعفون ، بل إنّ الخطأ وعدم الالتزام بالتعليمات الصحّية من جانب الآباء والاُمّهات لهما أيضا دور في ظهور الأشخاص المعاقين والمتخلّفين عقليّا ، ففي هذه الحالات تلقى مسؤوليّة تعاسة هذا النوع من الأشخاص على الأفراد الواعين بشكل مباشر لا على اللّه تعالى .

1.نهج البلاغة : الحكمة ۳۲۸ .

2.الانفال: ۲۲ .

3.الروم: ۴۱ .

4.نهج البلاغة : الكتاب ۴۷ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
242

يصرّح القرآن الكريم أنّ الإنسان يمحَّص من خلال «الشرّ» و«الخير»:
«وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً» . ۱
و« الشرّ » يشمل أنواع المصائب ، والأمراض والمشاكل في الحياة ، و« الخير » يشمل أنواع النعم والمسرّات .
روي عن الإمام الصادق عليه السلام إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرض ذات مرّة ، فدخل عليه جماعة لعيادته فسألوه: كيف أصبحت:؟ فأجابهم بغير ما كانوا يتوقّعوه منه قائلاً :
أصبَحتُ بِشَرٍّ !
فسألوه متعجبين :
سُبحانَ اللّهِ ، هذا مِن كَلامِ مِثلِكَ ؟!
فأجابهم الإمام قائلاً :
يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى :«وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً»، فَالخَيرُ الصِّحَّةُ وَالغِنى ، وَالشَّرُّ المَرَضُ وَالفَقرُ ابتِلاءً وَاختِبارا .۲
فالآية المذكورة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام هي دليل واضح على أنّ حكمة بعض المصائب هي الاختبار والابتلاء ، كي يبلغ الإنسان الكمال نتيجة «الصبر» والتحمّل والنجاح في الاختبار ، وقد جاء هذا المعنى في آية اُخرى :
«وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ لِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ تِ وَبَشِّرِ الصَّـبِرِينَ» . ۳
وعلى هذا الأساس، فإنّ الشرور والمصائب الّتي يكون الهدف منها اختبار الإنسان وبناءه لا تتنافى مع العدالة والحكمة الإلهيّتين وحسب، بل هي الحكمة بعينها.
نعم إنّ الهدف من المصائب والمشاكل الّتي يواجهها أهل الإيمان في ظلّ النظام الحكيم الّذي يسود العالم هو تربية المواهب الباطنة وتكاملها، وفي الحقيقة فإنّ اللّه ـ تعالى ـ يغذّي أرواح أوليائه في هذا العالم بالبلاء، كما نرى ذلك في العبارة الجميلة التالية المرويّة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
إنَّ اللّهَ لَيُغَذّي عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما تُغَذِّي الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ .۴

ثانيا : عوامل فشل المستضعفين

إنّ ما ذكرناه حتّى الآن حول فلسفة الشرور والمصائب ، يتعلّق بالأشخاص الواعين الذين بلغتهم الرسالة الإلهيّة وأقيمت الحجّة عليهم، والآن لنرى ماهي الحكمة من وراء الشرور والإخفاقات الّتي يواجهها الأشخاص غير الواعين، أو المستضعفون؟
وبعبارة اُخرى : فقد كان وما يزال على مرّ التاريخ الكثير ممّن لم تصلهم الرسالة الإلهيّة لأسباب مختلفة ولم يستطيعوا أن يدركوا مسؤوليّتهم كي يعيّنوا مصيرهم من خلال العمل، أو عدم العمل

1.الأنبياء : ۳۵ .

2.الجعفريات : ص ۲۳۳ .

3.البقرة: ۱۵۵ .

4.بحار الأنوار : ج ۸۱ ص ۱۹۵ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 232837
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي