515
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

3 . الدين ومهنة الطبّ

مع أنّ الطبّ الوقائيّ قد حظي ـ كما بيّنا ـ باهتمام الأحكام الدينيّة ، وأنّ أئمّة الدين أصابوا من علم الطبّ ما أصابوا ، غير أنّ فلسفة الدين ليست الخوض في مهنة الطبّ ، لذا جعلت الروايات الإسلاميّة علم الدين قسيما لعلم الطبّ ، كما أنّ أهل البيت لم يخوضوا في الشؤون الطبّية كمهنة ، وأنّ فصل الفقه عن الطبّ ، وعمل الفقهاء عن عمل الأطبّاء دليل آخر أيضا على امتياز نطاق الدين عن نطاق الطبّ .

تقويم الأحاديث الطبّية

إنّ لنا أن نقسم الأحاديث الطبّية إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : الأحاديث التي تمثّل معجزة أئمّة الدين في علاج الأمراض ، كما ورد في القرآن الكريم إذ نقل لنا معجزة عيسى عليه السلام . قال تعالى :
« وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ » . ۱
القسم الثاني : الأحاديث المأثورة في الوقاية من الأمراض .
القسم الثالث : الأحاديث الواردة في علاج الأمراض ، وتنقسم إلى قسمين أيضا :
الأوّل : الاستشفاء بالقرآن والدعاء .
الثاني : الاستشفاء بواسطة الدواء .
أمّا الأحاديث التي تتناول الإعجاز في الموضوعات الطبّية فهي خارجة في الحقيقة عن نطاق الأحاديث الطبّية المعهودة في كلامنا .
والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا هي أنّ عرض الأحاديث المتعلّقة بالطبّ الوقائيّ لعامّة الناس لا يثير مشكلةً ما ؛ وذلك بالنظر إلى أنّ هذه الأحاديث تنطبق على الموازين العلميّة غالبا ، كما أنّ العوامل الواردة فيها للوقاية لاتعني السبب الكامل للوقاية نفسها .
كذلك يمكننا أن نعرض للناس قسما من الأحاديث المتعلّقة بالطبّ العلاجيّ ، التي يتمثّل فيها العلاج بواسطة الآيات القرآنيّة والأدعية ، وذلك بالنظر إلى شروط إجابة الدعاء ، وكَونِه مجرَّبا في علاج كثير من الأمراض .
في ضوء ذلك نلاحظ أنّ الأحاديث الوحيدة التي لا يصحّ تبنّيها بلا تقويمٍ تامٍ ، وتتعذّر نسبتها إلى أئمّة الدين كإرشادات قبل التقويم الدقيق لها هي الأحاديث التي توصي بعلاج الأمراض عن طريق عقاقير خاصّة .

الفصل الأوّل : الطّبابة مِن منظار الإسلام

1 / 1 . أهَمِّيَّةُ عِلمِ الطِّبِّ

۳۳۵۶.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ عِلمانِ : عِلمُ الأَديانِ وعِلمُ الأَبدانِ . ۲

1 / 2 . لِكُلِّ دَاءٍ دَواءٌ

۳۳۵۷.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الَّذي خَلَقَ الأَدواءَ خَلَقَ لَها

1.آل عمران : ۴۹ .

2.كنز الفوائد: ج ۲ ص ۱۰۷ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
514

السؤال الثالث : هَبْ أنّ لهم معرفةً بعلم الطبّ ، فهل يقوم الدين على أساس مزاولة الشؤون الطبّية ، ومعالجة أنواع الأمراض الجسديّة؟

1 . مصدر علم الطبّ

يرى بعض العلماء أنّ لعلم الطبّ مصدرا إلهيّا ، وأنّه يستندُ على الوحي ، قال المفكّر والمحقّق الكبير الشيخ المفيد قدس سره في هذا المجال :
الطبّ صحيح ، والعلم به ثابت ، وطريقه الوحي ، وإنّما أخذ العلماء به عن الأنبياء ؛ وذلك أنّه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلّا بالسمع ، ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلّا بالتوقيف ۱ ، فثبت أنّ طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيّات تعالى . ۲
يبدو أنّ حاجة الإنسان الأوّل كانت تستدعي قيام الوحي لرفده ببعض العلوم التجريبيّة الضروريّة لحياته ، ويدعم هذا الرأي ما نقله السيّد رضي الدين علي بن طاووس قدس سره عن بعض الكتب :
إنَّ اللّهَ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ أهبَطَ آدَمَ مِنَ الجَنَّةِ ، وعَرَّفَهُ عِلمَ كُلِّ شَيءٍ ، فَكانَ مِمّا عَرَّفَهُ النُّجومُ وَالطِّبُّ .۳
من هنا ، يمكننا أن نقول : إنّ بداية علم الطبّ كانت عن طريق الوحي ، ثُمّ زادته تجربة العلماء فاتّسع تدريجيّا ، ويتّسع على تواتر الأيّام ، لكنّ من زعم أنّ الوحي هو الطريق الوحيد لهذا العلم ، فإنّ كلامه لا يقوم على برهان عقليّ أو شرعيّ ، كما أثبتت التجربة بطلانه ، وما نُقل عن المرحوم الشيخ المفيد قوله إنّ طريقه : «السمع عن العالم بالخفيّات» يصحّ إذا قُصد أنّه أحد طرقه ، لا أنّه الطريق الوحيد ، وإلّا فلا .

2 . أهل البيت وعلم الطبّ

تدلّ دراسة دقيقة للأحاديث المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام بشأن الخصائص العلميّة ، ومبادئ العلوم ، وأنواعها، على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام لم يتّصفوا بعلم الطبّ فحسب ، بل بالعلوم جميعا ، وليس ذلك عن طريق الاكتساب ، بل عن طريق خارق للعادة ، حتّى أنّهم أنّى شاؤوا أن يعلموا شيئا علموه ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام :
إنَّ الإِمامَ إذا شاءَ أن يَعلَمَ عَلِمَ .۴
وبسبب هذا العلم الجمّ كان أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام يكرّر خطابه للناس قائلاً :
سَلوني قَبلَ أن تَفقُدوني ، فَإِنَّ بَينَ جَنبَيَّ عُلوما كَثيرَةً كَالبِحارِ الزَّواخِرِ .۵
وكان أئمّة أهل البيت عليهم السلام قاطبةً زاخرين بهذا العلم ، ولم يتلكّؤوا في جواب أيّ مسألة علميّة قطّ .
من هنا ، لا ريب في أنّ أهل البيت عليهم السلام كانوا ملمّين بعلم الطبّ ، وإذا ثبت أنّهم قالوا شيئا يتعلّق بمسألة من مسائله ، فإنّ كلامهم مطابق للواقع حتما .

1.في بحار الأنوار : «بالتوفيق» .

2.تصحيح الاعتقاد ، ص ۱۴۴ ، بحارالأنوار ، ج ۶۲ ، ص ۷۵ .

3.فرج المهموم : ص ۲۲ .

4.الكافي : ج ۱ ص ۲۵۸ ح ۱ .

5.ينابيع المودة : ج ۳ ص ۲۰۸ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 232767
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي