دون تفحّص لكونه حقّا أو باطلاً ، بل يتّبعونه لمحض كونه رئيس قبيلة ، أو قائد حزب ، أو شخصيّة تحظى بالاحترام بالنسبة إليهم ، فهم كالذباب تماماً ؛ كلّما تحرّكت الريح من جانب تحرّك معها .
والذي يبعث على ألم الإمام وتوجّعه أنّ أغلب من يعاصره من الناس كان من القسم الثالث . فقد كان عليٌّ يعيش وسط جمهور ليس من أهل المعرفة والتشخيص ، ولا هو ممن يتحرّى المعرفة ويتحرّك في مسار البحث والتحقيق . بيد أن الأمضّ على الإمام في ذلك كلّه أنّه عليه السلام قلّما كان يعثر على من يباثّه همومه ، ويتحدّث إليه بمثل هذه المصائب الاجتماعيّة .
أجل ، لم يكن مع عليّ من يستطيع أن يُفصح له بحقيقة من يعيش معهم ، وعلامَ يمارس حكمه . وعندما أراد مرّة أن يُفصح بخبيئة نفسه لكميل بن زياد ـ وهو من خواصّه وممّن يطيق سماع تحليله المتوجّع للوضع القائم ـ تراه أخذ بيده ، وصار به إلى الصحراء ، وبالحزن الممزوج بالألم أشار إليه أنّه لا يستطيع أن يتحدّث بهذا الكلام لكلّ أحد ؛ لعدم قدرة الجميع على تحمّله ، وأنّه كلما حظي الإنسان بقاعدة فكريّة أكبر واُفق معنوي أوسع ، كان ذا قيمة أكثر ، ثمّ بعد ذلك حدّثه بسرّ انفضاض الناس عن نهجه ، وانكفائهم عنه ، وتنكّبهم عن برنامجه الإصلاحي ، حيث ذكر له أنّ المشكلة الأساسيّة في ذلك تعود إلى جهل الناس ، واتّباعهم الأعمى للخواصّ ممن هو خائن أو جاهل .
إتمام الحجّة على الخواصّ والعوامّ
إنّ ما ذكره الإمام مجملاً إلى كميل بن زياد ـ في الصحراء ـ من خطر خيانة الخواصّ وتبعيّة العوام ، وما كان قد أشار إليه بهذا الشأن في مجلس خاصّ جمع فيه عدّة من المقرّبين والأتباع المخلصين ، عاد لاستعراضه تفصيلاً أمام جمهور