367
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2

رابعاً : الهدفية المتعدّدة الطبقات

من أجل بيان الهدفيّة المتعدّدة الطبقات ، فإننّا سوف نسلّط الضوء على هذه الهدفيّة في طبقتين ، معتقدين بأنّ الإمام الحسين عليه السلام كان على علم بشهادته ، ولكنّه كان يعتبر الشهادة مقصداً لا مقصوداً وهدفا .

الطبقة الاُولى

سنحلّل في هذه الطبقة مسألة الهدف من ثورة عاشوراء من وجهة نظر الإمام الحسين عليه السلام والاُسس العامّة للإمامة.
فقد ذكر الإمام الحسين عليه السلام في أقواله وخطبه وكتبه بعض الأهداف لسلوكه، وقد ذكرت بعض هذه الأهداف في مرحلة الامتناع عن البيعة ليزيد ، والبعض الآخر في مرحلة مسيره من المدينة نحو مكّة ومنها إلى الكوفة.
وبعبارة اُخرى فقد ذكر الإمام الحسين عليه السلام في أقواله وكتبه العديدة بعض الأسباب والأهداف للامتناع عن البيعة ، وبرّر بشكل آخر مسيره من المدينة إلى مكّة ومنها إلى الكوفة.
فقد طرح الإمام الحسين عليه السلام في القسم الأوّل فسق يزيد وعدم أحقّيته . ففي اعتراضه على والي المدينة صرّح بهذا الأمر قائلاً :
أيُّهَا الأَميرُ ! إنّا أهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ ، ومَعدِنُ الرِّسالَةِ ، ومُختَلَفُ المَلائِكَةِ ، ومَحَلُّ الرَّحمَةِ ، وبِنا فَتَحَ اللّه ُ وبِنا خَتَمَ ، ويَزيدُ رَجُلٌ فاسِقٌ شارِبُ خَمرٍ ، قاتِلُ النَّفسِ المُحَرَّمَةِ ، مُعلِنٌ بِالفِسقِ ، مِثلي لا يُبايِعُ لِمِثلِهِ ، ولكِن نُصبِحُ وتُصبِحونَ ، وتَنتَظِرُ وتَنتظُرونَ ، أيُّنا أحَقُّ بِالخِلافَةِ وَالبَيعَةِ . ۱
قَد عَلِمتَ إنّا أهلُ بَيتِ الكَرامَةِ وَمَعدِنُ الرِّسالَةِ وأعلامُ الحَقِّ الَّذي أودَعَهُ اللّه ُ عَزَّوجَلَّ قُلوبَنا، وأنطَقَ بِهِ ألسِنَتَنا ، فَنَطَقَت بِإِذنِ اللّه ِ عَزَّوجَلَّ ، ولَقَد سَمِعتُ جَدّي رَسولَ اللّه ِ يَقولُ : «إنَّ الخِلافَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلى وُلدِ أبي سُفيانَ» ، وكَيفَ اُبايِعُ أهلَ بَيتٍ قَد قالَ فيهِم رَسولُ اللّه ِ هذا؟! ۲
واسترجع خلال لقائه بمروان قائلاً:
عَلَى الإِسلامِ السَّلامُ إذ بُلِيَتِ الاُمَّةُ بِراعٍ مِثلِ يَزيدَ . . . وقَد سَمِعتُ جَدّي رَسولَ اللّه ِ يَقولُ : «الخِلافَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلى آلِ أبي سُفيانَ الطُّلَقاءِ وأبناءِ الطُّلَقاءِ . فَإِذا رَأَيتُم مُعاوِيَةَ عَلى مِنبَري فَابقُروا بَطنَهُ» ، ولَقد رَآهُ أهلُ المَدينَةِ عَلى مِنبَرِهِ فَلَم يَفعَلوا بِهِ ما اُمِروا ، فَابتَلاهُم بِابنِهِ يَزيدَ . ۳
ويطرح في القسم الثاني، إصلاح الاُمّة وإحياء السنّة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة السلطان الجائر والعزّة والإباء. فقد روي عنه عليه السلام في هذا المجال أنّه قال:
إنّي لَم أخرُج أشِراً ولا بَطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً ، وإنَّما خَرَجتُ لِطَلَبِ النَّجاحِ وَالصَّلاحِ في اُمَّةِ جَدّي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، اُريدُ أن آمُرَ بِالمَعروفِ وأنهى عَنِ المُنكَرِ ، وأسيرَ بِسيرَةِ جَدّي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وسيرَةِ أبي عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ... فَمَنْ قَبِلَني بِقَبولِ الحَقِّ فَاللّه ُ أولى بِالحَقِّ ومَن رَدَّ عَلَيَّ هذا أصبِرُ حَتّى يَقضِيَ اللّه ُ بَيني وبَينَ القَومِ بِالحَقِّ ويَحكُمَ بَيني وبَيْنَهُم بِالحقِّ وهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ . ۴
وعن أبي عثمان النهدي : كتب الحسينُ عليه السلام مع مولىً لهم يقال له سليمان ، وكتب بنسخة إلى رؤوس الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف :
... أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ اللّه َ اصطفى مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَلى خَلقِهِ وأكرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ ، وَاختارَهُ لِرِسالَتِهِ، ثُمَّ قَبَضَهُ إلَيهِ ، وقَد نَصَحَ لِعبادِهِ ، وبَلَّغَ ما اُرسِلَ بِهِ صلى الله عليه و آله ، وكُنّا أهلَهُ وأولِياءَهُ وأوصِياءَهُ ووَرَثَتَهُ وأحَقَّ النّاسِ بِمَقامِهِ فِي النّاسِ ، فَاستَأثَرَ عَلَينا قَومُنا بِذلِكَ ، فَرَضينا وكَرِهنَا الفُرقَةَ وأحبَبنَا العافِيَةَ ، ونَحنُ نَعلَمُ أنّا أحَقُّ بِذلِكَ الحَقِّ المُستَحقِّ عَلَينا مِمَّن تَوَلّاهُ ، وقَد أحسَنوا وأصلَحوا، وتَحَرَّوُا الحَقَّ فَرَحِمَهُمُ اللّه ُ وغَفَرَ لَنا ولَهُم .
وقَد بَعَثتُ رَسولي إلَيكُم بِهذَا الكِتابِ ، وأنَا أدعوكُم إلى كِتابِ اللّه ِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ قَد اُميتَت ، وإنَّ البِدعَةَ قَد اُحيِيَت ، وإن تَسمَعوا قَولي وتُطيعوا أمري، أهدِكُم سَبيلَ الرَّشادِ ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم ورَحمَةُ اللّه ِ » . ۵
وكتب في رسالة جوابيّة لأهل الكوفة:
فَلَعَمري مَا الإِمامُ إلَا العامِلُ بِالكِتابِ ، وَالآخِذُ بِالقِسطِ ، وَالدّائِنُ بِالحَقِّ ، وَالحابِسُ نَفسَهُ عَلى ذاتِ اللّه ِ. ۶
اللّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ لَم يَكُن ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلطانٍ ، ولَا التِماساً مِن فُضولِ الحُطامِ ، ولكِن لِنُرِيَ المَعالِمَ مِن دينِكَ ، ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِكَ ، ويَأمَنَ المَظلومونَ مِن عِبادِكَ ، ويُعمَلَ بِفَرائِضِكَ وسُنَنِكَ وأحكامِكَ . فَإِن لَم تَنصُرونا وتُنصِفونا قَوِيَ الظَّلمةُ عَلَيكُم ، وعَمِلوا في إطفاءِ نورِ نَبِيِّكُم ، وحَسبُنَا اللّه ُ وعَلَيهِ تَوَكَّلنا وإلَيه أنبَنا وإلَيهِ المَصيرُ . ۷
وقال في الخطبة الاُولى أمام أصحاب الحرّ :
أيُّهَا النّاس! فَإِنَّكُم إن تَتَّقوا وتَعرِفُوا الحَقَّ لِأَهلِهِ يَكُن أرضى للّه ِِ ، ونَحنُ أهلَ البَيتِ أولى بِوَلايَةِ هذَا الأَمرِ عَلَيكُم مِن هؤُلاءِ المُدَّعينَ ما لَيس لَهُم ، وَالسّائرينَ فيكُم بِالجورِ وَالعُدوانِ . ۸
وقال في الخطبة الثانية مقابل أصحاب الحرّ :
مَن رَأى سُلطاناً جائِراً مُستَحِلّاً لِحُرَمِ اللّه ِ ، ناكِثاً لِعَهدِ اللّه ِ ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، يَعمَلُ في عِبادِ اللّه ِ بِالإِثمِ وَالعُدوانِ ، فَلَم يُغَيِّر عَلَيهِ بِفِعلٍ ولا قَولٍ ، كانَ حَقّاً عَلَى اللّه ِ أن يُدخِلَهُ مُدخَلَهُ . ۹
وقال في الخطبة الاُولى يوم عاشوراء:
لا وَاللّه ِ، لا اُعطيكُم بِيَدي إعطاءَ الذَّليلِ ، ولا أفِرُّ فِرارَ العَبيدِ ... . ۱۰
وقال في الخطبة الثانية يوم عاشوراء:
ألا وإنَّ الدَّعِيَّ ابنَ الدَّعِيِّ قَد رَكَزَ بَينَ اثنَتَين ؛ بَينَ السِّلَّةِ وَالذُلَّةِ ، وهَيهاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ ، يِأبَى اللّه ُ لَنا ذلِكَ ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ ، وحُجورٌ طابَت ، وحُجورٌ طَهُرَت ، وأُنوفٌ حَمِيَّةٌ ، ونُفوسٌ أبِيَّةٌ ، مِن أن تُؤثَرَ طاعَةُ اللِّئامِ عَلى مَصارِعِ الكِرامِ . ۱۱
مضافا إلى هذه الأقوال والكتب ، فإنّ تحليل شؤون الإمامة ۱۲ يقتضي هذا أيضا، وقد حاز الإمام الحسين عليه السلام منصب الإمامة لبيان الدين وتطبيقه ، والمحافظة عليه من الاضمحلال والزوال ، وصونه عن التحريف ، ولكي يكون قدوة للمجتمع، ومن المفترض أن تلقي هذه الشؤون بظلّها على جميع سلوكياته وأقواله وأفكاره، فكيف يمكن تحليل حادثة بهذه العظمة بمعزل عن هذه الأهداف؟ الحادثة التي اُريقت فيها دماء هؤلاء العظام على الأرض.
وتعدّ هذه الطبقة الاُولى من أهداف حادثة عاشوراء ، ومن المحتمل أن يكون مراد الذين عبّروا بإقامة الحكم ، هو العنوان المنتزع من هذه الاُمور ، وكما أشرنا فإنّ هذا التعبير لم يبيّن بصراحة في أقوال الإمام وكتبه .
ويمكن القول إنّ معطيات هذه الطبقة من الأهداف هي زلزلة دعائم حكم بني اُميّة ، والإطاحة بحكم يزيد، ووقوع الثورات الانتقاميّة ، ووعي الناس في تلك الحقبة من التاريخ ، وبالطبع فقد حدث ذلك خلال فترات زمنيّة قصيرة نسبيّاً .

1.راجع : ص۳۹۳ ح۹۶۳ .

2.راجع : ص۳۸۹ ح۹۵۶ .

3.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: ج ۱ ص ۱۸۴، وراجع: هذه الموسوعة ، ج ۲ ص ۳۸۹ (ما جرى بين الإمام عليه السلام والوليد لأخذ البيعة).

4.راجع : ج۳ ص۱۵ ح۹۷۹ .

5.راجع : ج ۳ ص ۴۰ ح ۱۰۲۳ .

6.راجع : ج ۳ ص ۳۶ ح ۱۰۱۶ .

7.تحف العقول: ص ۲۳۹.

8.راجع : ج ۳ ص ۳۶۵ ح ۱۴۷۹ .

9.راجع : ج ۳ ص ۳۷۷ ح ۱۴۹۰ .

10.الإرشاد : ج ۲ ص ۹۸ وراجع : هذه الموسوعة : ج ۴ ص ۱۰۶ (القسم الثامن / الفصل الثاني / احتجاجات الإمام عليه السلام علىجيش الكوفة) .

11.راجع : ج ۴ ص ۱۱۵ ح ۱۶۲۸ .

12.من جملة واجبات الإمام عليه السلام وصلاحياته ، ومن جملة شروط ومقتضيات الإمامة .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
366
  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 140986
الصفحه من 411
طباعه  ارسل الي