شرح حديث حقيقت - صفحه 335

أقول: إنّ هذا السؤال عن كشف الحقيقة ، و الحقيقةُ كلّ ، و الكلّ الأصل ، و ما سواه الجزء و الفرع ، و كيف يَبحث عنها أحد ؟ و كلّ ما قيل «إنّه حقيقة» فالحقيقة بخلافه .
كما قال الأمير عليه السلام : «كلّ ما خَطَرَ ببالك أو تصوّر بخيالك فاللّه تعالى بخلافه» .
و لا يمكن الجواب عن كشف الحقيقة إلاّ من آثارها على طريق الرمز و الإشارة ؛ كما قال عليه السلام : الْحَقيقَةُ كشفُ سُبحاتِ الْجَلالِ مِنْ غَيْرِ إشارَةٍ ؛ و ذلك لأنّ اللّه تعالى محجوب بصفاته ، و صفاته الجلالية تتعلّق بذاته ، و صفاته الجمالية تتعلّق بأفعاله ، فالسالك الطالب للحق إذا سلك بَنادر الجسمانية ، و عبر عن البحار الروحانية ، وصل إلى صفات الجمال ، ثم إلى صفات الجلال ، فإذا تجاوزها تجلّى له الحقيقة .
و قوله عليه السلام : مِنْ غَيْرِ إشارَةٍ ، إشارة إلى أنّ اللّه تعالى منزَّه عن أنْ يكون مشارا إليه ، أو يكون له حدّ و نهاية ؛ لأنّ هذه الأوصاف من أوصاف الحادث ، و أنّ قوله نادٍ بخلاف ذلك . ثم إنّ السؤال كان في مهية الحقيقة ، و الجواب ليس في مهيتها بل من آثارها ، و هذا شرط الادب /ص 345/ و كمال المعرفة ؛ كما سأل فرعون: « وَ مَا رَبُّ الْعَــلَمِينَ »۱ . فأجابَ موسى عليه السلام : « رَبُّ السَّمَـوَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ »۲ اى كنتم عارفين بأنّ الجواب ليس الا هذا .
ثم قال كميل: زدني و هو في عين السلوك ، يريد الوصول الذي هو نهاية مراتب السالكين ، فأجاب عليه السلام بما أجاب ، و هو إشارة إلى مرتبة اليقين المجرّد ، و لم يقنع كميل بذلك ، و التمس مرتبة عين اليقين ، فأجاب عليه السلام عنه ثانيا بقوله عليه السلام : مَحْوُ الْمَوْهُوم مَعَ صَحْوِ الْمَعْلُوم ؛ لأنّ الحقيقة إذا كَشَفَ عن صفات الجلال التي تتعلق بالذات ، و أدرك أثَرَه السالك ، انمحى و زال عنه شكُّه و ظنُّه ، و شاهَدَ آثار الحقيقة بنور علم اليقين .
ثم لم يقنع بمرتبة علم اليقين ، و التمس منه عليه السلام مرتبة عين اليقين .
فاجاب عليه السلام بأنّها : هَتْكُ السِّتْرِ عند غَلَبَةِ السِّرّ ؛ و ذلك لأنّ السالك إذا محى مظنونات وَهْمِه عند انكشاف سبحات الجلال عن الحقيقة ، يصحو ۳ له العلوم ، و يعلم بعد علم

1.سورة الشعراء ، الآية ۲۲ .

2.سورة الشعراء ، الآية ۲۳ .

3.في الأصل : فيصحر .

صفحه از 338