رسالة في « أحمد بن محمد » - صفحه 129

[فوائد]

فائدة [ 1 ] : [ في لفظة «عين» ]

قد ذكر لفظة «عين» في بعض التراجم ، وقد اختُلف في المقام على القول بالدلالة على التوثيق كما جرى عليه السيّد الداماد ۱ والمولى التقيّ المجلسي . ۲
وربما يظهر القول به من الفاضل الاسترآبادي في ترجمة الحسن بن عليّ بن زياد ، ۳ إلاّ أنّ كلامه فيما لو قيل : «عين من عيون هذه الطائفة» .
ويأتي القول بالفرق بين ما لو قيل : «وجه» وما لو قيل : «وجه من وجوه هذه الطائفة» بقوّة الدلالة في الثاني ، مع اطّراد الدلالة في الأوّل .
ولم يبعُد القول بعدم الاطّراد ، فلعلّ الفاضل المذكور لايقول بالدلالة على التوثيق فيما لو قيل : «عين» . لكنّه مقطوع العدم .
واختاره سيّدنا وحكى القول به عن بعض .
والظاهر أنّ الغرض من القول المذكور الدلالة على العدالة بالمعنى الأخصّ ،
والقول بالدلالة على المدح المُعتدِّ به .
وإليه العلاّمة البهبهاني .
واستدلّ سيّدنا على القول بالدلالة على التوثيق بأنّ العين المذكور في التراجم إمّا أن يكون مأخوذا من العين بمعنى الباكية ، أو من العين بمعنى الربيئة ، أو من العين بمعنى الميزان ، والأخير هو الأظهر ؛ لكونه مذكورا في ترجمة جماعة كثيرة ، ويبعد في الغاية أن يكون الجميع بمنزلة الباكية أو الربيئة .
وبأنّ الغالب كون العين مرادفا لثقة ، فيقولون «ثقة عين» بحيث يظهر أنّ الغرض منه هو التأكيد ، وأنّ المراد منه ما يناسب الوثاقة ويؤكّدها ، وليس ذلك إلاّ المعنى الأخيرَ ؛ لأنّ الميزان لمّا كان في كمال الاستواء والاستقامة بحيث لايزيد أحد كفّيه على الآخر ، فتشبيه الرجل به يفيد كونه كاملاً في تلك الصفة ، فيدلّ على كمال الوثاقة ، كما أنّ مولانا الصادق عليه السلام سمّى أبا الصباح الكناني ميزانا لثقته .
قال النجاشي : «كان الصادق عليه السلام يُسمّيه الميزانَ لثقته ، ذكره أبو العبّاس في الرجال» ۴ انتهى . فقال له الصادق عليه السلام : «أنت ميزان» على ما ذكره الشيخ في الرجال . ۵
وكذا رواه الكشّي بالإسناد عن الوشّاء عن بعض الأصحاب ، فقال أبو الصباح على ما رواه الكشّي : «أنّ الميزان ربما كان فيه عين ، قال عليه السلام : أنت ميزان ليس فيه عين» . ۶
فظهرت صحّة التشبيه بالعين بمعنى الميزان لإفادة توكيد الوثاقة ، وأنّ حمله على الرجل بذلك المعنى يُفيد كمال الوثاقة ، بخلاف المعنيين الآخَرين ، فإنّ الظاهر في وجه الشبه فيهما غير ذلك المعنى ، فلايفيد التشبيه فيهما تأكيدَ الوثاقة .
وإذا كان المراد ذلك فإفادة العين للعدالة وكونُه من ألفاظ التوثيق والتعديل
لامجرّدِ المدح ظاهرة .
أقول : إنّ «العين» ظاهرة في نفسها في الباكية ، وهي أشهر معاني العين ، فالظاهر أنّ المقصود بالعين هنا هو الباكية ؛ تشبيها للشخص بين الأمثال بالعين بين الأعضاء .
وقد شاع استعمال العين في الشخص تشبيها له بالعين الباكية في مثل ما يقال : «فلان من أعيان البلد» إلاّ أنّ التشبيه فيه باعتبار الامتياز الدنيوي ، بخلاف المقام ؛ فإنّ التشبيه فيه باعتبار الامتياز في الصدق أو العدالة .
وإن أمكن التشبيه بالنابعة في عموم النفع ، وكونِها من أسباب الحياة بكون الغرض عمومَ نفع الراوي وإحياء الشريعة .
وكذا التشبيه بالربيئة في حفظ الدين والدنيا .
بل استعمال العين في الشخص تشبيها له بالعين الباكية شائع في اللغة الفارسيّة أيضا ، كما يقال : «فلان ، چشم و چراغ بلد است» .
وأمّا الميزان فاستعمال العين فيه نادر .
وكذا الحال فيما احتمله المولى التقيّ المجلسي من كون المُشبّه به من معاني العين هو الشمس والخيار .
بل استعمال العين في الميزان والشمس والخيار متروك في العرف ، بل مفقود الأثر في الاستعمالات بالكلّيّة .
وبالجملة ، قد يقال : «فلان عين أهل البلد» والمقصود الامتياز في العزّ ، وقد يقال : «فلان عين التجّار» والمقصود الامتياز في المال ، وقد يقال : «فلان عين أهل الديوان» والمقصود الامتياز في علوّ المنصب ، وقد يقال : «فلان عين العلماء» والمقصود الامتياز في العلم فقط ، ولاسيّما لو كان فلان من الأموات أو مع الامتياز في انتشار الاسم ، فالأمر من باب حذف المتعلّق ، ويختلف المتعلّق المحذوف باختلاف الموارد .
والظاهر أنّ المقصود في المقام الامتياز في الصدق والوثوق بالنقل ، فلاتتأتّى الدلالة على العدالة بناءً على عدم دلالة «ثقة» على العدالة ، ولاسيّما في صوره تعقّب «عين» ل «ثقة» .
وأمّا الاستدلال بالوجهين المتقدّمين على الدلالة على العدالة ، فيبتني كلّ من الوجهين على كون العين في المقام بمعنى الميزان .
ويندفع أوّلهما ـ بعد كثرة ذكر العين في التراجم ـ بالمنع من بُعد كون العين في جميع التراجم بمعنى الباكية بكون جميع الأشخص المذكورِ في ترجمتهم العينُ بمعنى الباكية .
وأمّا الثاني : فمرجعه إلى أنّ العين يستعمل تأكيدا للتوثيق ، ولامحيص في إفادة التشبيه من كون المشبّه به هو الميزانَ .
لكنّه يندفع : بأنّ إرادة الباكية لاتُنافي الدلالة على الوثاقة ، بل تؤكّدها ، ويصحّ التشبيه لإفادة الوثاقة .
ووجه الشبه : امتياز الثقة من بين الأمثال في الصدق ، كامتياز العين الباكية بين الأعضاء .
والتشبيه بالميزان في قول الصادق عليه السلام لايقتضي كون المقصود بالعين في كلام أرباب الرجال هو الميزانَ ، بل قوله عليه السلام : «أنت ميزان ليس فيه عين» يوهن الحمل على الميزان .
لكنّ الظاهر أنّه ليس الغرض من التشبيه المذكور الاستنادَ إليه للمقصود .
هذا ، وفي الصحاح : «في الميزان عين إذا لم يكن مستويا» . ۷
وهو مقتضى ما صنعه في القاموس حيث عدّ من معاني العين المَيلَ في الميزان . ۸ وإليه يرجع قول أبي الصباح : «إنّ الميزان ربما كان فيه عين» .
والظاهر أنّ الغرض الميل الذاتي ، لا الميل بالتعمّد ممّن بيده الميزان .
والظاهر ـ بل بلا إشكال ـ أنّ المقصود بالعين في قوله عليه السلام في جواب أبي الصباح : «أنت ميزان لاعين فيه» هو الميل كما هو الحال في قول أبي الصباح : «الميزان ربما كان فيه عين» .
وربما قيل : قوله : «أنت ميزان لاعين فيه» من حقّ الميزان أن لاتفارق العين منه ؛ لاحتمال الاعوجاج فيه قال : أنت ميزان ليس فيه احتمال الاعوجاج ليحتاج إلى ملاحظة العين ، بل أنت مستقيم بالاستقامة الذاتيّة .
ومرجع ذلك إلى أنّ المقصود بالعين في قوله : «أنت ميزان ليس فيه عين» هو الباكية ، والغرض أنت ميزان لاحاجة فيه إلى نظر العين ؛ لاستقامتك .
ومقتضاه حمل العين في قول أبي الصباح : «إنّ الميزان ربما كان فيه عين» على الباكية ، أو نظرِ العين ، بملاحظة ذكر النظر في معاني العين بكون الغرض أنّ الميزان ربما يحتاج إلى نظر العين .
لكنّ الحمل على الباكية أو النظر في كلٍّ من مقالة الإمام عليه السلام ومقالة أبي الصباح بيّن الفساد .
وربما احتمل أن يكون الغبن في «لاغبن فيه» بالغين المعجمة والباء الموحّدة وليس بشيء .
ثمّ إنّ الأكثر كون «العين» مذكورةً عقيبَ «ثقة» فلاثمرة غالبا في البحث عن دلالة العين على التوثيق وعدمها .
نعم ، قد يفترق «العين» عن «ثقة» كما في ترجمة محمّد بن بكران بن عمران ، كما ذكره النجاشي ۹ أو محمّد بن بدران بن عمران كما ذكره العلاّمة في الخلاصة ، ۱۰ حيث إنّه قال النجاشي والعلاّمة : «عين مسكون إلى روايته» ففيه تظهر الثمرة ،
إلاّ أنّه نادر ، والنادر كالمعدوم .
بقي أنّه لو قيل : من عيون هذه الطائفة أو من عيون أصحابنا فيظهر الكلام فيه بما يأتي من الكلام فيما لو قيل : من وجوه هذه الطائفة أو من وجوه أصحابنا .

1.الرواشح السماوية : ۶۰ ، الراشحة الثانية عشر .

2.روضة المتّقين ۱۴ : ۴۵ .

3.منهج المقال : ۱۰۳ .

4.رجال النجاشي : ۱۹ / ۲۴ .

5.رجال الطوسي : ۱۰۲ / ۲ .

6.رجال الكشّي ۲ : ۶۳۹ / ۶۵۴ .

7.الصحاح ۶ : ۲۱۷۱ (عين) .

8.القاموس المحيط ۴ : ۲۵۳ (عين) .

9.رجال النجاشي : ۳۹۴ / ۱۰۵۲ .

10.خلاصة الأقوال : ۶۳ / ۱۶۵ .

صفحه از 161