رسالة في « أحمد بن محمد » - صفحه 134

فائدة [ 2 ] : [ في لفظة «وجه» ]

قد ذكر لفظة «وجه» في بعض التراجم أيضا ، وقد اختلف في المقام أيضا على القول بالدلالة على التوثيق ، كما جرى عليه السيّد الداماد ۱ والمولى التقيّ المجلسي . ۲
وربما يظهر القول به من الفاضل الاسترآبادي في ترجمة الحسن بن عليّ بن زياد ، ۳ وهو المحكيّ عن بعض ، ۴
ونفي البُعد عنه سيّدنا .
والظاهر أنّ الغرض من القول المذكور الدلالة على العدالة بالمعنى الأخصّ ، والقول بالدلالة على المدح المُعتدِّ به .
وإليه العلاّمة البهبهاني . ۵
وهو مقتضى ما جرى عليه السيّد السند النجفي من الدلالة على المدح القريب من التوثيق . ۶
أقول : إنّه قد ذكر في القاموس للوجه معانيَ متعدّدةً ، وجعل أوّلَ المعاني الجارحةَ ؛ حيث جعل المعنى الأوّلَ ما هو المعروف . وعدَّ من المعاني : مستقبلَ كلّ شيء ، وكذا سيّدَ القوم . ۷
والظاهر أنّ الثاني مجاز عن الأوّل .
وعدّ في المجمع من معاني «الوجه» : الحجّةَ ، كما في الحديث القدسي ، «فمن سجد سجدتَيِ الشكرِ أُقبل إليه بفضلي وأُريه وجهي» . ۸
ونقل عن الصدوق : أنّ وجهَ اللّه : أنبياؤه ۹ وحُججه ، قال : ويُصدِّق ذلك ما روي عن أبي الصلت عن الرضا عليه السلامقال ، قلت : يابن رسول اللّه ما معنى الخبر الذي رووه أنّ ثواب لا إله إلاّ اللّه ثواب النظر إلى وجه اللّه ؟ فقال : «من وصف اللّه بوجه كالوجوه فقد كفر ، ولكن وجه اللّه أنبياؤه وحججه الذين يُتوجّه بهم إلى اللّه وإلى دينه ، والنظر إلى أنبياء اللّه ورسله وحججه في درجاتهم ثوابٌ عظيم للمؤمنين يوم القيامة» . ۱۰
وكيف كان ، فالظاهر أنّ الوجه بمعنى الجارحة لايختصّ بالإنسان ، بل يعمّ مثل البقر والغنم .
والظاهر أنّ المقصود بمستقبل كلّ شيء هو المواجه منه ، لكن يمكن أن يكون إطلاق الوجه على المواجه غير الجارحة مجازا على الجارحة .
ويُطلق في اللغة الفارسيّة «رُوىْ» على الجارحة ، وكذا على المواجه غير الجارحة ، كما يقال : «رُوىِ كلاه» .
والوجه في المقام يمكن أن يكون مجازا عن الجارحة أو عن المستقبل .
إلاّ أنّه لو كان الإطلاق على الجارحة باعتبار كونها فردَ المستقبل ، فالظاهر أنّ التجوّز عن الجارحة لكونها معروفةً ، لكنّ الأمر على هذا مبنيّ على الاشتباه ؛ لكون المعنى الحقيقي هو المستقبلَ .
وبالجملة ، فقد يقال : «فلان وجه العلماء» أو «وجه أهل البلد» أو «وجه التجّار» أو «وجه أهل الديوان» والمتعلّق في الكلّ محذوف على حسب ما مرّ في العين .
والظاهر ـ بل المقصود في المقام ـ إنّما هو الوجاهة في الصدق والوثوق بالنقل كما مرّ في العين ، لا الوجاهة في العزّ أو المال أو كليهما . كيف ، ولم يكن للأئمّة عليهم السلامغالبا ـ فضلاً عن أغلب أصحابهم ـ الوجاهة الدنيويّة .
والكلام في الدلالة على العدالة وعدمها بعين ما مرّ في العين .
ثمّ إنّه لو قيل : «من وجوه هذه الطائفة» فقد حكم العلاّمة البهبهاني بكونه أقوى دلالةً على المدح المُعتدِّ به من «وجه» . ۱۱
وجرى سيّدنا على القول بالدلالة على العدالة ؛ نظرا إلى أنّ الغالب في الأكابر في أزمنة الحضور هو العدالة ، بل الرجل لم يصِرفي أزمنة الحضور من الأكابر إلاّ باعتبار كثرة العلم والفضل والتقوى والورع ، وبالجملة باعتبار الدين ؛ لأنّ أُمور الدنيا كانت يومئذٍ بيد غيرهم ، وكانوا في تقيّة و وراء حجاب .
بل لم يُعهَد إطلاق العلماء لفظةَ «وجه» باعتبار الأُمور الدنيويّة لا الدينيّة ، ۱۲ بل المعهود إطلاقها على الأكابر باعتبار الدين .
قال : «وأمّا إذا أُطلق فقولهم : «وجه» لا دلالة فيه على العدالة ؛ لأنّه أعمُّ ، والعامّ لايدلّ على الخاصّ ، وإن لايبعد القول بظهوره في العدالة» .
أقول : إنّه لادلالة في «وجه» على الإماميّة ، ولو على القول بدلالة «ثقة» على الإماميّة ، ولابدّ في استفادة الإماميّة من دعوى الغلبة أو انصراف «وجه» إلى الإمامي ، أو كون الكتاب موضوعا لذكر الإماميين ككتاب النجاشي .
لكن «من وجوه هذه الطائفة» صريحٌ في الإماميّة .
وأمّا «من وجوه» فلايزيد على «وجه» بشيء . كيف ، والواحد بعض الجمع ، ف «وجه» متّحد المُفاد مع «من وجوه» فلايزيد «من وجوه هذه الطائفة» على «وجه» إلاّ في باب الدلالة على الإماميّة .
فلافرق في باب الدلالة على العدالة أو قوّة الدلالة على المدح المُعتدّ به إلاّ بناءً على كون الدلالة على الإماميّة من باب الدلالة على المدح .
وأمّا دعوى أنّ العامّ لايدلّ على الخاصّ ، فتندفع بأنّ العامّ قد يستلزم الخاصّ ، مثلاً لو قيل : «أعط زيدا الدرهم» فإنّ الأمر بإعطاء الدرهم أعمُّ من إعطاء درهم واحد وإعطاء درهمين مثلاً مرّة واحدة ، لكنّ الأمر المذكور يستلزم وجوب إعطاء درهم واحد ، مع أنّ العامّ كثيرامّا يكون ظاهرا في الخاصّ كما في المطلق ؛ لانصرافه كثيرا إلى بعض الأفراد من جهة الشيوع أو غيره .
ومن ذلك أنّه لو حلف أن لايأكل بيضا ، وكان البيض لايُطلق في عرف الحالف إلاّ على نوع خاصّ ، ينصرف الإطلاق إليه ، كما جرى عليه العلاّمة في المختلف ، ۱۳ بل الحال على هذا المنوال لو أُطلق البيض في عُرف الحالف على بيض السمك والجراد مثلاً ، خلافا لما عن الحلّي ؛ حيث حكم بالحنث بأكل ما يصدق عليه اسم البيض من بيض السمك والجراد مثلاً . ۱۴
وبما مرّ يظهر الكلام فيما لو قيل : «من وجوه أصحابنا» لو قلنا باختصاص «الأصحاب» في كلام الإمامي بالإماميين .
وأمّا لو قلنا بالعموم لغير الإماميين بملاحظه تكرّر الإطلاق على الأعمّ ـ كما حرّرناه في الرسالة المعمولة في «ثقة» ـ فلايتجاوز مُفادُ «من وجوه أصحابنا» على «وجه» بوجه .
ونظير الحال بناءً على الإجمال .
وبما سمعت يظهر الحال في «كان وجها في أصحابنا» كما ذكر في ترجمة يونس بن عبد الرحمن . ۱۵
هذا ، وقد ذكر في ترجمة أبان بن تغلب : «أنّه كان من وجوه القرّاء» . ۱۶
والظاهر ـ بل بلا إشكال ـ أنّ الغرض الامتياز في القراءة والاستكمال فيها .
وفي ترجمة أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل : «شيخ أهل اللغة ووجههم» . ۱۷
والمقصود بالوجاهة الامتياز في اللغة .
وربما ذكر أنّ الوجاهة في أُمورٍ مُتعدّدة ، كما ذكر في ترجمة إبراهيم بن سلميان من أنّه كان وجه الأصحاب بالبصرة فقها وكلاما وأدبا وشعرا . ۱۸
ثم إنّ الظاهر أنّ أكثر ما وقع من لفظة «وجه» كان بعد «ثقة» . وربما ذُكرت منفردةً ، كما ذكر في ترجمة سليمان بن خالد : «أنّه كان قارئا فقيها وجها» . ۱۹
وكذا ذكر في ترجمة محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون : بأنّه كان أبوه وجها . ۲۰
وكذا ذكر في ترجمة عبد اللّه بن جعفر الحميري : «أنّه كان شيخَ القمّيين
ووجهَهم» . ۲۱
لكن كان هذا من باب المقيّد ، والكلام في «وجه» بقول مطلق ، إلاّ أنّه لافرق بين المُطلق والمقيّد، فالبحث عن الوجه قليل الفائدة ، كما تقدّم في أُخته المتقدّمة.
ثمّ إنّه قد ذكر في ترجمة عبد اللّه بن يحيى : «أنّه كان وجها عند أبي الحسن عليه السلام» . ۲۲
وما تقدّم من الكلام في الوجه يأتي فيه .
ثمّ إنّه قد ذكر في ترجمة أحمد بن أبي زاهر : «أنّه كان وجها بقمّ وليس حديثه بذلك النقيّ» . ۲۳
ويحتمل أن يكون المقصود : أنّ أحمد كانت وجاهته عند أهل قمّ ، لكن حديثه ليس محلَّ السكون والركوع من جهة عدم الوثوق بنقله .
ويحتمل أن يكون المقصود أنّه كان وجها ، وكان ساكنا بقمّ ، لكن أحاديثه كانت من المراسيل أو مرويّةً عن الضعفاء ، فلابأس به في نفسه ، لكنّ البأس في حديثه . نظير ما قاله العلاّمة في الخلاصة في ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس من أنّه لابأس به بنفسه ولكن في بعض مَن يروى عنه . ۲۴
ثمّ إنّه قد ذكر في ترجمة معاوية بن عمّار : أنّه كان أبوه عمّار ثقةً عند العامّة ، وجها . ۲۵
ولعلّ الوجه كون الغرض من الوجه الوجاهةَ عند العامّة .
ويظهر الحال بعد اختلاف الحال بدلالة الوجاهة على العدالة أو حُسْن الحال بما حرّرناه في الوثاقة عند العامّة في الرسالة المعمولة في «ثقة» .
ثمّ إنّه قد حكى العلاّمة المجلسي في البحار عند الكلام في الوضوء عن جماعة : أنّ الوجه مأخوذ من المواجهة ، وحكى عن والده المولى التقيّ أنّ الأمر بالعكس ، فإنّ المواجهة مشتقّة من الوجه . ۲۶
والحقّ أنّ شيئا من الوجه والمواجهة غير مأخوذ من الآخر ، وإن شاعت دعوى الاشتقاق . كيف ، والحقّ أنّ أوضاع الأفعال والأسماء المشتقّة من باب الوضع الشخصي كما حررّناه في الأُصول ، وعلى تقدير ثبوت الاشتقاق فالمواجهة مأخوذة من الوجه .
ثمّ إنّه قد يقال : «فلان أوجه من فلان» ومنه ما في ترجمة الحسين بن أبي العلاء من أنّه أوجه من أخويه : عليٍّ وعبدِ الحميد ، كما نقله النجاشي عن ابن عقدة . ۲۷
وكذا ما في ترجمة مسمع بن عبد الملك من أنّه كان أوجهَ من أخيه عامر ، وأبيه ، لكن في ترجمته أنّه كان وجها . ۲۸
والحقّ أنّه إن كان المفضّل عليه ثقةً ـ كما في باب الحسين بن أبي العلاء ؛ لوثاقة عبد الحميد ـ فالظاهر الدلالة على التوثيق ، كما حرّرناه في الرسالة المعمولة في «ثقة» .
وأمّا لو لم يكن المفضّل عليه ثقةً فمقتضاه ثبوت الوجاهة ، فيظهر الحال فيه بما تقدّم في الوجه .
بقي أنّه قال سيّد الأولياء ـ عليه آلاف التحيّة والثناء ـ في الخطبة الشقشقية : «ينثالون عليَّ من كلّ وجه» ۲۹ والمتراءى بادى? أنّ الوجه فيه بالفتح ، لكنّ الظاهر أنّه
بالضمّ أو الكسر ، أي الجانب والناحية ، كما حرّرناه في شرح الخطبة المُشار إليها .
قال في القاموس : «الوجه بالضمّ أو الكسر : الجانب والناحية» ثمّ قال : «الجهة بالضمّ والكسر : الجانب والناحية كالوجهة والوجه» . ۳۰
قوله عليه السلام : «ينثالون» قال في المصباح في مادة ثول : «انثال الناس عليه من كلّ وجه : اجتمعوا» . ۳۱

1.الرواشح السماوية : ۶۰ ، الراشحة الثانية عشر .

2.سوره تكاثر، آيه ۸ .

3.ر . ك : بحار الأنوار، ج۲۴، ص۵۴.

4.روضة المتّقين ۱۴ : ۴۵ .

5.منهج المقال : ۱۰۳ .

6.تعليقة رجال الكشّي ۱ : ۲۴۳ ، وحكاه في منتهى المقال ۱ : ۶۴ .

7.تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال : ۷ .

8.رجال السيّد بحر العلوم ۲ : ۲۳۶ .

9.القاموس المحيط ۴ : ۲۹۶ (وجه) .

10.مجمع البحرين ۶ : ۳۶۶ ، والرواية في الوسائل ۴ : ۱۰۷۲ ، أبواب سجدتي الشكر ، باب ۱ ، ح ۵ . وفيه : «وجهي» بدل «بوجهي» .

11.الفقيه ۱ : ۲۲۰ ، ح ۹۷۸ ، باب سجدة الشكر والقول فيها .

12.التوحيد للصدوق : ۱۱۷ ، ح ۲۱ ، باب ما جاء في الرؤية .

13.تعليقة الوحيد البهبهاني : ۷ .

14.كذا ، و لعلّ الصحيح : «الأُمور الدنيوية الدنيّة» .

15.مختلف الشيعة ۸ : ۱۸۰ .

16.السرائر ۳ : ۵۱ .

17.رجال النجاشي : ۴۴۶ / ۱۲۰۸ ؛ خلاصة الأقوال : ۱۸۴ / ۱ .

18.رجال النجاشي : ۱۰ / ۷ .

19.رجال النجاشي : ۹۳ / ۲۳۰ .

20.رجال النجاشي : ۱۵ / ۱۴ ؛ الفهرست : ۴ / ۳ ؛ خلاصة الأقوال : ۴ / ۸ .

21.رجال النجاشي : ۱۸۳ / ۴۸۴ .

22.رجال النجاشي : ۳۷۳ / ۱۰۲۰ .

23.رجال النجاشي : ۲۱۹ / ۵۷۳ .

24.رجال النجاشي : ۲۲۱ / ۵۸۰ .

25.رجال النجاشي : ۸۸ / ۲۱۵ .

26.خلاصة الأقوال : ۷ / ۲۵ .

27.رجال النجاشي : ۴۱۱ / ۱۰۹۶ .

28.بحار الأنوار ۸۰ : ۲۴۰ ، باب وجوب الوضوء وكيفيّته وأحكامه .

29.رجال النجاشي : ۵۲ .

30.رجال النجاشي : ۴۲۰ / ۱۱۲۳ ؛ خلاصة الأقوال : ۱۷۱ / ۱۳ .

31.نهج البلاغة (صبحي صالح) : ۴۹ .

32.القاموس المحيط ۴ : ۲۹۷ (وجه) .

33.المصباح المنبر : ۸۸ (ثول) .

صفحه از 161