رسالة في « حمّاد بن عثمان » - صفحه 254

[ التنبيه ] الخامس : [ في صحّة رواية حمّاد بن عثمان عمّن رواه ]

أنّه قد حكم صاحب المعالم نقلاً بصحّة مارواه في التهذيب عن حمّاد بن عثمان عمّن رواه ، والظاهر أنّه مبنيّ على نقل الإجماع على التصحيح من الكشّي بعد البناء على اتّحاد حمّاد بن عثمان أو انصرافه إلى الناب ؛ لكنّك خبير بما فيه من الخروج عن الاصطلاح .
ونظيره ما ذكره العلاّمة في الخلاصة في الفائدة الثامنة من الفوائد المرسومة في آخرها : من أنّ طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح ـ وإن كان في طريقه أبان بن عثمان بن عيسى ، وهو واقفي ـ ؛ ۱ حيث إنّ الظاهر أنّ تصحيح الطريق المذكور باعتبار نقل الإجماع على التصحيح من بعض على ما نقله الكشّي في حقّ عثمان بن عيسى . ۲
وكذا ما ذكره الشهيد في المسالك عند الكلام في حلّيّة الغراب وعدمها «وفي طريق الرواية أبان ، وهو مشترك بين جماعة ، منهم أبان بن عثمان ، والأظهر أنّه هو ، وكان ناوُوسيّاً ، إلاّ أنّ العِصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه» . ۳
وكذا ما ذكره العلاّمة الخوانساري في شرح قول المصنّف : «والمستعمل في الاءستنجاء طاهر مالم يتغيّر أو يلاقِهِ نجاسة أُخرى» من قوله :
ومنها مارواه أيضاً في هذا الباب في الصحيح ، عن محمّد بن النعمان ،
عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقال في الحاشية : في طريق هذه الرواية أبان وهو ممّن أجمعت العِصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ؛ فلذا حكمنا عليه بالصحّة . ۴
وإن يحتمل كون الغرض من الصحّة في قوله : «في الصحيح» هو الصحّةَ باعتبار بعض أجزاء السند ، أعني من تقدّم على محمّد بن النعمان ، بل هو الظاهر كما يظهر ممّا يأتي ؛ لكنّه حَكَم بصحّة الرواية في قوله : «فلذا حكمنا عليها بالصحّة» .
إلاّ أن يكون الضمير راجعاً إلى الطريق ؛ لأنّه يذكّر ويؤنّث في لغة الحجاز ، لكنّ الظاهر ـ بل بلا إشكال ـ أنّ حال البعض لا يتخلّف عن حال الكلّ بالنسبة إلى أجزاء البعض .
ومن هذا مامرّ من خروج العلاّمة عن الاصطلاح في تصحيح طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري ، ۵ فلا مجال للحكم بصحّة ما تقدّم من السند على محمّد بن النعمان مع اشتماله على أبان .
وكذا ما ذكره صاحب الحدائق عند الكلام في جواز المسح على الحائل للضرورة من صحّة رواية أبي الورد ۶ مع أنّه غير مصرّح بالتوثيق لسبق حمّاد بن عثمان ، مع كونه من أهل إجماع العصابة . ۷
بل قد ذكر السيّد الداماد في الرواشح مواردَ أُخرى للخروج عن الاصطلاح ،
كما في المختلف ۸ في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة : من أنّ حديث عبد اللّه بن بكير صحيح مع أنّه فطحي ؛ استناداً إلى الإجماع المذكور . ۹
قوله : «فطحي» لم يقل أحدٌ بكونه فطحياً حتّى نفسه في الخلاصة في ترجمته أبان ؛ إذ المذكور في ترجمته أنّه من الناووسيّة . ۱۰ نعم ، جرى على القول بكونه فطحياً في المنتهى في بحث صلاة العيدين ، كما أنّه ذكر في المنتهى في بحث الحلق والتقصير : أنّه واقفي . ۱۱
وكلّ منهما فاسد ، إلاّ أنّه ربّما احتمل كون المقصود بالوقف هو الوقفَ على أحد الأئمّة ، فيدخل في الناووسيّة ؛ لأنّهم كانوا يقفون على الصادق عليه السلام ؛ لكنّه خلاف الظاهر قطعاً .
وكذا ما في شرح الإرشاد للشهيد الأوّل ، في كتاب الحجّ في مسألة تكرّر الكفّارة بتكرّر الصيد عمداً أو سهواً ، من التعليل برواية ابن أبي عمير في الصحيح عن أصحابه ، عن الصادق عليه السلام . ۱۲
وكذا ما في المسالك في مبحث الارتداد ، من التعليل بصحيحة الحسن بن محبوب ، عن غير واحدٍ من أصحابنا ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام . ۱۳
وقد ذكر شيخنا البهائي في مبادئ مشرقه ما سمعت من المختلف والمسالك فى¨ شرح ما اتّفق فيه الخروج عن الاصطلاح . ۱۴
لكنّك خبير بأنّ مدار تعليل الشهيدين على إطلاق الصحّة على الخبر باعتبار
بعض أجزاء السند كما في المسالك ، ۱۵ أو على بعض أجزاء السند كما هو ظاهر شرح الإرشاد ؛ ۱۶ لتذكير «الصحيح» بعد ذكر الرواية ، إذ لو كان الغرض صحّةَ الرواية ، كان المناسب التأنيثَ ، ولا يناسب كونَ التذكير باعتبار كون الموصوف المحذوف هو الخبرَ بعد سبق الرواية ، والغرض الصحّة إلى ابن أبي عمير والحسن بن محبوب ، وإطلاق الصحّة على الخبر شائع باعتبار بعض أجزاء السند ، كما فيما يقال : «في صحيح زرارة» أو «في الصحيح عن زرارة» .
وكذا قول العلاّمة في الخلاصة في شرح حال طرق الفقيه : «وعن زرعة ، صحيح وإن كان زرعة فاسدَ المذهب إلاّ أنّه ثقة» . ۱۷
ومن هذا الباب إطلاق الصحيح على الطريق ، كطريق الصدوق في الفقيه ، وطريق الشيخ في التهذيب والاستبصار ، كما اتّفق للعلاّمة وغيره شرح حال الطرق المذكورة ؛ ۱۸ إذ الطريق بعض أجزاء السند .
لكنّ احتمال إطلاق الصحّة على الخبر باعتبار بعض أجزاء السند بعيد ، بل غيرُ جارٍ في بابِ الطريق ولا دلالة في شيء من التعليلين من الشهيدين على انجبار ضعف الإرسال ؛ لوجود ابن أبي عمير والحسن بن محبوب ، وصحّة الخبر أو السند .
وعلى المنوال المذكور حال المختلف ؛ لاُنّه قال : «ومارواه فضالة في الصحيح عن عبد اللّه بن بكير ، ثمّ ذكر أنّ عبد اللّه بن بكير وإن كان فطحيا إلاّ أنّه ثقة للإجماع المنقول في كلام الكشّي» . ۱۹
فمقتضى الكلام المذكور هو صحّته إلى عبد اللّه بن بكير لا صحّة الخبر أو تمام السند ، فالمرجع إلى إطلاق الصحّة على بعض أجزاء السند ، أو على الخبر باعتبار بعض أجزاء السند .
ومنشأ خيال الخروج عن الاصطلاح من السيّد الداماد ، وشيخنا البهائي بالنسبة إلى الموارد المذكورة كلاًّ أو بعضاً كلامُ الشهيد في الدراية ، وهو قد ذكر :
أنّهم قالوا كثيراً : « روى ابن أبي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه» مع كون الرواية مرسلةً ، قال : ومثله وقع لهم في المقطوع كذلك ، وأنّهم قالوا : «في صحيحة فلان» مع كون فلان غيرَ إمامي ، وأنّه قال في الخلاصة وغيرها : إنّ طريق الفقيه إلى معاوية بن ميسرة ، وإلى عائذ الأحمسي ، وإلى خالد [ بن ] نجيح ، وإلى عبد الأعلى مولى آل سام صحيحة مع أنّ الثلاثة الأُوَل لم ينصّ عليهم بتوثيق ولا غيرهِ ، قال : وكذلك نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيّاً ۲۰ . ۲۱
ويظهر الكلام فيما ذكره ـ من قولهم : «روى ابن أبي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه» أو «في صحيحة فلان مع كون الفلان غيرَ إمامي» وكلامِ العلاّمة في الخلاصة ـ بمامرّ .
قوله : «ومثله وقع لهم في المقطوع كذلك» يعني أنّهم قالوا كثيرا : في صحيح ابن أبي عمير قال : مع كون المدار في الصحيح على ما نَقَل السنّةَ ورجوعُ القول هنا إلى ابن أبي عمير وكونُ المقال مقالتَه . لكن عهدته عليه وعليه الإثبات .
قوله : «وكذلك نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيّاً» ، قال شيخنا البهائي بخطّه في الحاشية : ولذلك نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن عبد اللّه بن بكير ، وقد عدّ العلاّمة فيما لو ظهر فسق الإمام
وروايتَه من الصحيح . ۲۲
والظاهر أنّ مقصود الشهيد أنّهم قد ادّعوا الإجماع على صحّة الخبر المحكيّ صحيحا عن أبان بن عثمان ، مع أنّ أبان بن عثمان يمانع عن صحّة الخبر ؛ لكونه فطحيّاً ، لكن لم يعهد نقل الإجماع من المتأخّرين ، وإنّما وقع من الكشّي مع أنّه مبنيّ على حمل الموصول في نقل الاءجماع على التصحيح على الخبر . وأمّا بناءً على حمله على الإسناد ـ كما هو الأقرب بكون الغرض الإجماعَ على صحّة الإسناد المحكيّ صحيحا ، أي الإجماع على الصدق ـ فلا مجال لما ذكره ، ولعلّه كان الغرض الاستنادَ إلى الكلام المتقدّم من العلاّمة فى¨ الخلاصة ووقع ما وقع من باب الاشتباه .
ويظهر ما في قوله : «مع كونه فطحياً» بما مرّ .
وأمّا ما ذكره شيخنا البهائي في الحاشية فيظهر فساد الاستناد إلى نقل الإجماع على التصحيح بما ذكره آنفاً ، ويظهر فساد الاستناد إلى كلام العلاّمة بما تقدّم سالفا .
وقد حكى في المنتقى مشاركة الشهيد لجماعة من المتأخّرين في التفطّن بتطرّق الخروج عن الاصطلاح في طائفة من الكلمات . ۲۳
فالخروج عن الاصطلاح من صاحب المنتقى فيما تقدّم عنه في صدر العنوان بعد التفطّن من غيره أشدُّ فسادا من تطرّق الخروج عن الاصطلاح من غيره .
ثمّ إنّه قد ذكر الشهيدان في الذكرى والدراية : أنّه يطلق الصحيح ـ أي في لسان المتأخّرين ـ على سلامة الطريق من الطعن بسوء المذهب ، أو الفسق ، وإن اعتراه إرسال أو قطع . ۲۴
قال الشهيد الثاني في الدراية : «وبالجملة ، فيطلقون الصحيح على ما كان رجال طريقه المذكورون فيه عدولاً إماميّة وإن اشتمل على أمر آخر بعد ذلك» . ۲۵ فساق الكلام في إطلاق الصحيح في كلمات المتأخّرين في صورة اشتمال السند على غير الإمامي ، وغير المذكور بالتوثيق . والمرجع إلى سَعَة دائرة الإطلاق المذكور ، لكن مقتضى كلام الشهيد الأوّل في الذكرى عدم اطّراد الإطلاق في الصورة المذكورة . ۲۶
وأيضاً ذكر المولى التقيّ المجلسي :
أنّ العلاّمة وإن ذكر آنفاً عدّة في تسمية الأخبار بالصحيح ، والحسن ، والموثّق ، فكثيراً يقول ويصف على قوانين القدماء والأمر سهل . واعترض عليه كثيرا بعض الفضلاء ؛ لغفلته عن هذا المعنى ، ولا مجال للحمل على السهو ؛ لأنّه إنّما يتأتّى فيما كان مرّة أو مرّتين مثلاً ، وأمّا ما كان في صفحة واحدة عشر مرّات ـ مثلاً ـ فلا يمكن أن يكون سهواً . ۲۷

1.خلاصة الأقوال : ۲۷۷ ، الفائدة الثامنة . وفي آخر العبارة : «وهو فطحيّ» بدلاً عن «وهو واقفي» .

2.رجال الكشّي ۲ : ۵۰۷ / ۴۳۱ ، وص ۶۷۳ / ۷۰۵ ، وص ۸۳۰ / ۱۰۵۰ .

3.مسالك الأفهام ۱۲ : ۳۹ عند الكلام في حلّية الغراب وعدمها .

4.مشارق الشموس في شرح الدروس : ۲۵۲ .

5.خلاصة الأقوال : ۲۷۷ ، الفائدة الثامنة .

6.تهذيب الأحكام ۱ : ۳۶۲ ، ح ۱۰۹۲ ، باب صفة الوضوء والفرض منه ؛ الاستبصار ۱ : ۷۶ ، ح ۲۳۶ ، باب المسح على الرأس وعليه الحناء ؛ الوسائل ۱ : ۳۲۲ ، أبواب الوضوء ، باب ۳۸ ، ح ۵ .

7.الحدائق الناضرة ۲ : ۳۱۰ .

8.مختلف الشيعة ۲ : ۴۹۷ ، المسألة ۳۵۷ .

9.الرواشح السماوية : ۴۷ ، الراشحة الثالثة .

10.خلاصة الأقوال : ۲۱ / ۳ .

11.منتهى المطلب ۲ : ۷۶۳ .

12.غاية المراد في شرح الإرشاد ۱ : ۴۱۳ .

13.مسالك الأفهام : ۳۵۸ .

14.مشرق الشمسين (ضمن الحبل المتين) : ۲۶۹ .

15.مسالك الأفهام ۱۲ : ۳۹ .

16.غاية المراد في شرح الإرشاد ۱ : ۴۱۳ .

17.خلاصة الأقوال : ۲۷۷ ، الفائدة الثامنة .

18.خلاصة الأقوال : ۲۷۷ ، الفائدة الثامنة .

19.مختلف الشيعة ۲ : ۴۹۷ ، المسألة ۳۵۷ .

20.خلاصة الأقوال : ۲۷۷ ، الفائدة الثامنة .

21.الدراية : ۲۰ و ۲۱ ، مع تفاوت

22.مختلف الشيعة ۲ : ۴۹۷ ، المسألة : ۳۵۷ .

23.منتقى الجمان ۱ : ۱۴ ، الفائدة الأُولى .

24.الدراية : ۲۰ ـ ۲۱ ؛ ذكرى الشيعة ۱ : ۴۸ .

25.الدراية : ۲۰ ـ ۲۱ .

26.ذكرى الشيعة ۱ : ۴۸ .

27.روضة المتّقين ۱ : ۱۹ .

صفحه از 276