رسالة في « محمد بن أبي عمير » - صفحه 452

[ بحث في العشرة ]

وبالجملة ، من دقائق المعاشرة مع الأصدقاء ترك إكثار الملاقاة ؛ إذ بالإكثار يصير كلٌّ من الصديقين قليل الوَقْع عند الآخَر قهراً ، كما هو مقتضى فطرة الإنسان ، حيث إنّه مجبول على تطرّق الفتور في حبّه ولو بالنسبة إلى أحبّ الأشياء عنده ، بل هذا أمر قهريّ يحكم به العقل . وقلّة وَقْع أحد الصديقين عند الآخَر توجب عدم ملاحظه أحدهما لميل الآخَر ، فيقع منه ما لا يلائم ميل الآخَر ، وبكثرة وقوع ما لا يلائم ميل الآخَر من أحدهما ينجرّ الأمر إلى العداوة .
ويزداد مفسدة إكثار الملاقاة لوكان الإكثار بورود أحد الصديقين على الآخَر في منزله ، حيث إنّ كلّ شخص رَبّ بيته ومنزله ، ولو كثر الورود عليه في منزله وهو مستعدّ للطغيان ليقع منه اُمور غير مناسبة ، دون ما لو كان كثرة الملاقاة في الخارج ، ولايطيق الوارد لتحمّل ورود الواردات غير المناسبة ، فيتأدّى الأمر إلى العناد .
ولو تدبّرتَ لتجد الشخص في منزله في غاية الكبر والنخوة ، وفي منزلك ضعيف الحال منكسر البال بالإضافة إلى منزله ، وفي الخارج متوسّط الحال . هذا هو الغالب والمشاهد في النفوس الناقصة ، وليس إلاّ من جهة ضعف العنصر ، والشخص الكامل قليل قليل ، أقلّ من الكبريت الأحمر في كلّ عصر ومصر ، بل ربما ينجرّ طول المقال في المجلس الأوّل من الملاقاه إلى غاية الملال ، وفي الفقرة المذكورة من الرواية المذكورة تلويح إلى وقوع ترك الأولى من ابن أبي عمير وكون الأولى الغِبّ .
والظاهر أنّ مناسبة الغِبّ كانت معروفةً بين الخاصّة والعامّة ، كما يرشد إليه مافي الصحاح من أنّه يقال : «زُرْغِبّاً تزدد حُبّاً» سواء كان هذا من كلام الجوهري أو من كلام الحسن .
وظاهر العبارة أنّه ليس حديثا نبويّا ، لكنّه ورد في أخبار الخاصّة نبويّا أو وَصَوِيّا .
وفي الديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليه السلامروحي وروح العالمين له الفداء :
إن شئتَ أن تُقْلى فزُرْ متواتراًوإن شئتَ أن تزدادَ حُبّاً فزُرْغِبّاً
منادمةُ الإنسان تَحْسُن مَرَّةًوإن أكثروا إدمانها أفسدوا حُبّا .۱
قوله عليه السلام روحي وروح العالمين له الفداء : «تقلى» أي : تبغض ، كما في قوله سبحانه : « مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ مَا قَلَى » .۲
قوله عليه السلام روحي وروح العالمين له الفداء : «إدمانها» أي : إدمان الندامة ، ولعلّ مفسدة الإكثار لاتندفع بالاختلاف اليومي . فهو يؤيّد حمل الغِبّ في الشعر والخبر المأثور على الاختلاف الاُسبوعي .

1.ديوان الإمام عليّ عليه السلام : ۸۶ ، رقم ۴۳ .

2.الضحى (۹۳) : ۳ .

صفحه از 476