رسالة في « محمد بن أبي عمير » - صفحه 472

[ بحث في مراسيل الصدوق ]

ثمّ إنّه ربما قيل : رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيل الصدوق ـ يعني في الفقيه ـ بالصحّة ، ويقولون : إنّها لاتقصر عن مراسيل ابن أبي عمير ، منهم العلاّمة في المختلف ، والشهيد في شرح الإرشاد ، والسيّد المحقّق الداماد . ۱
وحَكَم بعضُ الأعلام باعتبار مراسيل الفقيه إن كان الإرسال بحذف الواسطة .
لكنّه مالَ إلى العدم في موضعٍ آخَر ؛ تمسّكاًبأنّ إكتار الصدوق مثل هذا الإرسال يبعّد كونه عالماً بالجميع ولو من غير السماع . ۲
أقول : إنّ الصدوق كثيراً مّايرسل الخبر ، إلاّ أنّه لم يَجْر في الإرسال على وتيرةٍ واحدة ، فقد يقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،أو قال أميرالمؤمنين عليه السلام ، أو قال الصادق عليه السلام ، أو قال أبوجعفر عليه السلام ، أو قال الصادق عليه السلام ،وهو كثير ، أو قال الرضا عليه السلام ، وقد يقول :
قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله كذا ، أو كان أميرالمؤمنين عليه السلام يفعل كذا ، أو كان الصادق عليه السلامكذا ،وقد يقول : وسئل الصادق عليه السلام ، أو سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام ، وقد يقول : وقال رجل لعليّ بن الحسين عليه السلام ، أو قيل للصادق عليه السلام ، وقد يقول : وفي خبرٍ آخَر كذا ، وقد يذكر متن الخبر على سبيل الفتوى ، ولاينسبه إلى أحدٍ من المعصومين عليهم السلام.
والظاهر أنّ شرائع والده كان على هذه الطريقة .
وبالجملة ، لاإشكال في اعتبار عموم مراسيله لو قلنا بعموم اعتبار مافي الفقيه ، وإلاّ فالقول باعتبار مراسيله إن كان الإرسال بحذف الواسطة ولاسيّما لوكان بإرسال الفعل أو التقرير لايخلو عن قوّة .
وأمّا قوله : «وفي خبرٍ آخَرٍ كذا» فيمكن الإشكال في اعتباره ، وتثبت الاستفاضة على تقدير الاعتبار ، بناءً على كفاية التثنيه في الاستفاضة ، وكذا اعتبار مثله ، ومنه المنقول بالمعنى ، بل هو الرأس في العنوان الشامل للمقام وغيره ، وهو نقل الخبر بدون ذكر لفظ المعصوم عليه السلام بعدم ذكر اللفظ رأساً كما في المقام ونحوه ، أو ذكر لفظٍ غير لفظ الإمام عليه السلام كما في المنقول بالمعنى .
ووجه الإشكال : أنّ العمل بالخبر من باب العمل باجتهاد الناقل ، وهو لايكون حجّةً في حقّ المجتهد .
لكنّه مدفوع : بأنّ سيرة أصحاب الأئمّة كما استقرّت على النقل بالمعنى فكذا استقرّت على العمل بالمنقول ، فيتأتّى الإجماع أصحاب الأئمّة وتقرير الأئمّة روحي وروح العالمين لهم الفداء ، بل مقتضى مادلّ على حجّيّة خبر الواحد خصوصاً أو من باب حجّيّة مطلق الظنّ : حجّيّة ما نقله رُواة الأخبار ، ولافرق بين المنقول بالمعنى وغيره ممّا نحن فيه ومثله .
وقد يذبّ : بأنّه في المقام يحصل الظنّ اللفظي بالحكم ، فيكون حجّةً ، ويجور العمل به .
ويشكل بأنّه إن كان المقصود أنّ من لفظ الناقل يحصل الظنّ بالحكم ، فيكون
حجّة ، ففية : أنّ استناد الظنّ بالحكم إلى لفظ الناقل لايوجب حجّيّته لو كان النقل مبنيّاً على اجتهاد الناقل ، كيف لا ! ولو كان الظنّ المستند إلى اللفظ حجّةً مطلقاً ، لكان الظنّ الحاصل من فتوى الفقيه الواحد حجّةً في موضعٍ بلا إشكال على حسب حجّيّة سائر الظنون اللفظيّة ؛ لاستناده إلى اللفظ ، مع أنّه لاتتأتّى حجّيّته على القول بحجّيّة الظنون الخاصّة ، بل بعض مَنْ قال بحجّيّة مطلق الظنّ قال بعدم حجّيّته ، بل ادّعى الإجماع على عدم الحجّيّة .
وإن كان المقصود أنّ من لفظ الناقل يحصل الظنّ بدلالة لفظ المعصوم على الحكم ؛ للظنّ بالمطابقة بين الأصل والترجمة ، فالظنّ بالحكم حجّة ، فله وجه ، إلاّ أنّ هذا الفرد من الظنّ بدلالة لفظ المعصوم أخفى أفراد الظنّ بدلالة اللفظ ، فعموم مادلّ على حجّيّة الظنّ المستند إلى اللفظ له مشكل ، بل العموم غير ثابت ، وإلاّ لكان ظنون المتجزّي المستندة إلى الكتاب والسنّة حجّةً اتّفاقاً ، مع أنّ الخلاف في حجّيّة ظنّ المتجزي معروف ، بل بعض مَنْ قال بحجّيّة مطلق الظنّ قال بعدم حجّيّته ، إلاّ أن يقال : إنّ العموم إنّما هو بالنسبة إلى المجتهد المطلق . لكن دونه المقال ، وشرح الحال موكول إلى الرسالة المعمولة في حجّيّة الظنّ .
وبما مرّ يظهر الحال فيما لو قيل في الكتب الفقهيّة : «ويدلّ على هذا بعض الأخبار الصحيحة» أو «أخبار شتّى» ، ففيهما يثبت اعتبار المدلول ، ويثبت اعتبار السند في الأوّل باعتبار التصحيح على تقدير كفايته ، وفي الثاني باعتبار الاستفاضة .
ومن قبيل الثاني ما في الوسائل كثيراً ، ومثله : مامرّ ويأتي .
وأمّا ذكر متن الخبر على سبيل الفتوى من دون نسبةٍ إلى المعصوم فهو ليس من مصداق المرسل ، إلاّ أنّه في حكم المرسل ، فلو صار مظنون الصدور ، فعليه المدار .
ومن هذا ما ذكره الشهيد في الذكرى من أنّ أصحابنا كانوا يسكنون إلى فتاوى
ابن بابويه في شرائعه عند إعواز النصوص ؛ لحُسْن ظنّهم به ، وأنّ فتواه كروايته . ۳

1.لتسهيل الخطب انظر مفاتيح الاُصول : ۳۳۵ .

2.انظر رجال السيّد بحر العلوم ۳ : ۳۰۰ ؛ وج ۴ : ۷۸ ، الفائدة الرابعة .

3.ذكرى الشيعة ۱ : ۵۱ .

صفحه از 476