رسالة في « محمّد بن الحسن » - صفحه 502

[ المدار في المدح ]

ثانيها : أنّ المدار في المدح على اعتقاد المترجم ، أو اعتقاد المجتهد ؟
أقول : إنّه لا إشكال في عدم اعتبار الخبر لو لم يتأتّ المدح باعتقاد المجتهد ، ولم يكن ما ذُكر إفادةً للمدح موجباً للظنّ بالصدق كالصدق ، كما اتّفق في حقّ بعض الرواة ، كما حرّرناه في بعض الفوائد المرسومة في ذيل الرسالة المعمولة في رواية الكليني عن أبي داود لو قلنا بخلوّ الصدق عن القبح دون اشتماله على الحسن ، فيتأتّى اعتبار الخبر ولو لم يكن من باب الحسن ، لكن حينئذٍ يزيد قسمٌ آخَر في أقسام الخبر .
إلاّ أن يقال : إنّ الصدق بنفسه وإن لم يشتمل على الحسن ، لكن توصيف الرجل بأنّه صادق يكون المقصود به المداومة على التحرّز من القبيح ، أي الكذب ، وهي من باب الحسن ، كما يرشد إليه توصيف اللّه سبحانه إبراهيم وإدريس على نبيّنا وآله و عليهما السلام ب «الصدّيق» ۱ بل لا إشكال في أنّ المداومة على التجنّب عن القبيح من باب الحسن .
كيف ! ولا تتيسّر المداومة إلاّ بزيادة حسن الفطرة ونقاء الباطن أو زيادة المجاهدة .
هذا بناءً على كون «الصدّيق» بمعنى كثير الصدق ، لكنّه قد يفسَّر بكثير التصديق للحقّ من غيوب اللّه تعالى وآياته وكتبه ورسله . ۲
وأمّا توصيف إسماعيل على نبيّنا وآله و عليه السلام بأنّه «كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ»۳ فعن مولانا الرضا عليه السلام : «أنّه واعد رجلاً أن ينتظره في مكان ونسي الرجل ، فانتظره سنة حتّى أتاه الرجل» ۴ فالمدح ـ المستفاد من الآية ـ على الصدق إنّما هو على فرد مخصوص يختصّ مثله بالأنبياء .
وقد ذكر البيضاوي أنّه وعد الصبر على الذبح بقوله : « سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـبِرِينَ » .۵
لكن هذا مبنيّ على كون المقصود بإسماعيل هو نجل إبراهيم على نبيّنا وآله و عليه السلام ، ومقتضى أخبار متعدّدة : أنّ المقصود هو إسماعيل بن حزقيل . ۶
وأمّا قوله سبحانه : «وَ جَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا »۷ فقد فسّره الطبرسي بالثناء الحَسَن في الناس ، ۸ كما أنّه فسّر قوله سبحانه : « وَ اجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الْأَخِرِينَ »۹ بالثناء الحَسَن في آخر الاُمم والذكر الجميل ، والقبول العامّ في الذين يأتون من بعد إلى يوم القيامة . ۱۰

1.مريم (۱۹) : ۴۱ و ۵۶ .

2.انظر مجمع البيان ۳ : ۵۱۶ .

3.مريم (۱۹): ۵۴.

4.مجمع البيان ۳ : ۵۱۶ وفيه : « ... ذلك مرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام» .

5.تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) ۴ : ۱۰ في ذيل الآية ۱۰۲ من سورة الصافّات

6.اُنظر مجمع البيان ۳ : ۵۱۸ .

7.مريم (۱۹) : ۵۰ .

8.مجمع البيان ۳ : ۵۱۷ .

9.الشعراء (۲۶) : ۸۴ .

10.مجمع البيان ۴ : ۱۹۴ .

صفحه از 520