[ المقدّمة ] الثانية : [ اختصاص البحث بالفقيه والتهذيبين ]
إنّ البحث في المقام إنّما يختصّ بالفقيه والتهذيبين ، كما هو مقتضى صريح ما تقدّم من العنوان ؛ لأنّه لم يتّفق من الكليني ما اتّفق من الصدوق والشيخ ، بل قد ذكر شيخنا البهائي في أوائل مشرق الشمسين :
أنّ الكليني ملتزم في كتاب الكافي أن يذكر جميع سلسلة السند ۱
المتخلّلة بينه وبين المعصوم عليه السلاموقد يُحيل ۲ بعض السند على ما ذكره قريبا ، وهذا في حكم المذكور.
قال :
وأمّا رئيس المحدّثين ، أبو جعفر محمّد بن بابويه القمّي ـ عطّر اللّه
مرقده ـ فدأبه في كتاب من لا يحضره الفقيه ترك أكثر السند والاقتصارُ في الأغلب على ذكر الراوي الذي أخذ عن المعصوم عليه السلامفقط ، ثمّ إنّه ذكر في آخر الكتاب طريقه المتّصل بذلك الراوي ، ولم يُخِلَّ بذلك إلاّ نادرا . وأمّا شيخ الطائفة ، أبو جعفر محمّد بن حسن الطوسي فقد يجري في كتاب التهذيب والاستبصار على وَتيرة الكليني ، فيذكر جميع السند حقيقةً أو حكما ، وقد يقتصر على البعض ، فيذكر أواخر السند ويترك أوائله ، وكلُّ موضع سلك فيه هذا المسلكَ ـ أعني الاقتصار على ذلك البعض ـ فقد ابتدأ فيه بذكر صاحب الأصل الذي أخذ الحديث من أصله ، أو مؤلِّف الكتاب الذي نقل الحديث من كتابه ، وذكر في آخر الكتابين بعض طُرقه إلى أصحاب تلك الأُصول ومؤلِّفي تلك الكتبِ ، وأحال البواقيَ على ما أورده في فهرست كتب الشيعة. ۳
1.قوله «أن يذكر جميع سلسة السند» لا إشكال في عمومه للإرسال بإبهام الواسطة في صدر السند ، كقوله في كتاب الحجّ في باب ما يحلّ للرجال من اللباس والطيب إذا حلق قبل أن يزور : «قال : وسألت أبا الحسن عليه السلامعنها». وإن أمكن رجوع الضمير في «قال» إلى سعيد بن يسار الراوي عن أبي عبداللّه عليه السلام في السند السابق بقوله : «سألت أبا عبداللّه عليه السلام» بل هو الظاهر .
كيف؟ وهو أعمّ من إبهام الواسطة في أواسط السند أو أواخره ، ولا فرق بين الصدور وغيرها من حيث عموم العبارة وعدمه ، فالغرض التزام ترك الإرسال بحذف الواسطة ، لا التزام ترك مطلق الإرسال ، فالغرض التزام ذكر جميع سلسلة السند بالتعيين أو الإبهام .
ثمّ إنّه روى في الكافي في باب الأوقات التي يكره فيها الذبائح عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن موسى ، عن العبّاس بن معروف ، عن مروك بن عبيد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبداللّه بن مسكان، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام إلى آخر الحديث ، فروى عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن عمرو ، عن جميل بن درّاج ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبداللّه عليه السلامإلى آخر الحديث ، فقال : في نوادر الجمعة عليّ بن إسماعيل ، عن محمّدبن عمرو، عن جميل بن درّاج، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبداللّه عليه السلام إلى آخر الحديث.
قال العلاّمة المجلسي في الحاشية : عليّ بن إسماعيل هو عليّ السندي ، ومحمّد هو محمّد بن عمرو الزيّات، والظاهر أنّ سهل بن زياد يروي عن عليّ بن إسماعيل، وليس دأب الكليني الإرسالَ في أوّل السند إلاّ أن يبني على السند السابق ، ويذكرَ رجلاً من ذلك السند ، ولعلّه اكتفى هنا باشتراك محمّد بن عمرو بعد محمّد بن عليّ الذي ذكر في السند السابق مكانَ عليّ بن إسماعيل .
قوله : «في نوادر الجمعة» لعلّ المعنى أنّ هذا الخبر رواه عليّ بن إسماعيل في باب نوادر الجمعة ، ولعلّ هذا كان مكتوبا في الخبر الأوّل إمّا في الأصل أو على الهامش فأخّره النُسّاخ .
ثمّ إنّه روى في الكافي صدرَ باب دعائم الكفر وشعبه بالإسناد عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلامقال : بني دعائم الكفر على أربع دعائم إلى آخر الحديث وهو طويل يتمّ به الباب ، ثمّ قال صدرَ باب صفة النفاق والمنافق بعد ذلك الباب : قال : والنفاق على أربع دعائم إلى آخر الحديث وهو طويل أيضا . وهذا بظاهره من المرسل إلاّ أنّه يمكن أن يكون الضمير في «قال» راجعا إلى أمير المؤمنين عليه السلامحوالةً للسند إلى السند السابق في الباب السابق . (منه عفي عنه)
2.قوله : «وقد يحيل» إلى آخره جرى جماعة على القول بذلك وهو الأظهر . وفي المقام قولان آخران ، وسيأتي شرح الحال في بعض التنبيهات ، هذا .
وقد يذكر الكليني في السند اللاحق آخر الرواة من السند السابق كما فيما رواه في كتاب الدعاء في باب الدعاء للرزق عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد العطّار ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، فروى عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام . (منه) .
3.مشرق الشمسين : ۹۸ .