رسالة في « لزوم نقد المشيخه » - صفحه 140

[ المقدّمة ] الثالثة : [ في دلالة شيخوخة الإجازة على العدالة ]

أنّه قد وقع الخلاف في دلالة شيخوخة الإجازة على عدالة الشخص المجيز .
وربّما يقال : إنّ تخصيص العنوان في كلام مَن تعرّض له مبنيّ على الغلبة ؛ فإنّ الغالب في المشايخ شيخوخة الإجازة ، وإلاّ فالأنسب تعميمه لشيخوخة أنحاء التحمّل : من السماع ، أو القراءة عليه ، أو سماع قراءة الغير عليه ، والمناولة ، والمكاتبة ، والوجادة ، والإعلام.
وفيه : أنّه لا مجال للقول بالدلالة على العدالة في غير شيخوخة الإجازة من شيخوخة سائر أنحاء التحمّل ، وإلاّ لرجع الأمر إلى النزاع في دلالة رواية شخص
عن شخص على عدالة المرويّ عنه ولا يقول أحد بالدلالة على العدالة ، مثلاً كيف يمكن أن يقال بدلالة شيخوخة الوجادة على العدالة مطلقا؟!
وأمّا شيخوخة الإجازة فربّما يتأتّى فيها الدلالةُ على العدالة في بعض الصور على التحقيق ـ كما يظهر ممّا يأتي ـ وإن يأتى¨ القول بدلالتها على أعلى درجات الوثاقة مطلقا.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه يتأتّى ما يتأتّى في شيخوخة الإجازة فيما لو قرأ شخص على الشيخ (أحاديثَ كتابٍ استدعاء تصديقَه فصدق ، فتحمّل الشخص الروايةَ بقراءته على الشيخ) ۱
أو استدعى الشخص من الشيخ كتابَ شخص ، فدفع الشيخ الكتاب إليه ، وقال : «هذا كتاب فلان» واكتفى الشخص المستدعي في انتساب الكتاب إلى صاحبه بقول الشيخ : «هذا كتاب فلان» فيتأتّى في شيخوخة القراءة والمناولة ما يتأتّى في شيخوخة الإجازة .
فحينئذٍ نقول : إنّ أصل العنوان من العلاّمة البهبهاني في أوائل التعليقات ، ۲ وهو قد عنون ما وقع فيه الكلام أو القولُ بدلالته على الوثاقة في بعض التراجم ، أو في تضاعيف الكلام . وما وقع فيه الكلام أو القولُ بدلالته على الوثاقة إنّما هو شيخوخة الإجازة . وقد تبعه في العنوان من تأخّر عنه . ۳
وقد يقال : ملخّص تحرير البحث ، الرجالُ الذين ليسوا من أرباب الكتب المدوّنة ، ولا من أصحاب الأئمّة ، بل هم المشهورون بالشيخوخة أي الوساطة في إبلاغ الكتب المدوّنة ممّن سلف إلى من لحق .
وفيه : أنّه لا يلزم في شيخوخة الإجازة أن لا يكون صاحبَ الكتاب ، بل تتحقّق شيخوخة الإجازة بأن يجيز أن يروي شخص كتاب شخص وإن كان
المجيز صاحب الكتاب.
إلاّ أن يقال : إنّ استدعاء الإجازة من صاحب الكتاب روايةَ كتاب شخص آخَرَ بعيد ، إلاّ أنّه قد ذُكر في ترجمة الحسن بن عليّ الوشّاء أنْ استجاز منه أحمدُ بن محمّد بن عيسى كتابَ العلاء بن رزين ، وأبان بن عثمان وقد ذكر أنّ له كتبا ، ۴ بل البُعد محلّ المنع ، بل المستفاد من كلام بعض أرباب الرجال تحقُّقُ شيخوخة الإجازة بأن يجيز أن يروي كتابه .
وأيضا لا يلزم في مشايخ الإجازة الاشتهارُ بالوساطة في إبلاغ الكتب بلا إشكال، كيف لا ۵ ؟ ويأتي من بعضٍ التفصيلُ في الدلالة على العدالة بين ما إذا كان المجيز من المشاهير أي المشهورين في الإجازة ، فمن القائل سهو في سهو ، هذا .
والكلام في المقام أعمُّ ممّا لو ذُكر في ترجمة الرجل ما يدلّ على تحقّق شيخوخة الإجازة له ـ كما سمعت في الحسن بن عليّ الوشّاء ـ أو ذكر في ترجمته أنّه من مشايخ الإجازة كما هو الحال في محمّد بن إسماعيل النيشابوري ۶ وغيرِه . ۷
وأيضا الإجازة وإن يتأتّى لها أقسام ، لكنّ الظاهر ـ بل بلا إشكال ـ أنّ الكلام هنا فيما لو كانت الإجازة بعد الاستجازة ؛ حيث إنّ الظاهر أنّ منشأ النزاع هو دلالة اعتماد المستجير على المجيز في انتساب كتاب الغير إليه على عدالة المجيز ، فلا إشكال في عدم الدلالة لو كانت الإجازة بدون الاستجازة ، وكذا الحال في سائر وجوه الإجازة.
وبالجملة ، فقد مال العلاّمة البهبهاني إلى القول بالدلالة على الوثاقة ، بل
حكاه عن المولى التقيّ المجلسي ۸ وكذا عن الفاضل الاسترابادي في ترجمة الحسن بن عليّ الوشّاء ۹ واختاره في القوانين ۱۰ بل المحكيّ في كلام الشهيد الثاني في الرعاية أنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلى التنصيص ؛ لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم . ۱۱
وعن بعض علماء الرجال أنّه ينبغي أن لا يُرتاب في عدالة مشايخ الإجازة ، وهذا طريقة كثير من المتأخّرين . ۱۲
وعن المحقّق الشيخ محمّد أنّ عادة المصنّفين عدم توثيق الشيوخ ، وجرى على القول بذلك غير واحد من أصحابنا . ۱۳
وحكى العلاّمة البهبهاني عن صاحب المعراج أنّ مشايخ الإجازة في أعلى درجات الوثاقة . ۱۴
وجنح الوالد الماجد إلى القول بعدم الدلالة على الوثاقة ، بل الدلالة على الحسن والمدح ، ونسبه العلاّمة البهبهاني إلى المشهور ؛ ۱۵ حيث جعل المتعارفَ عَدَّ كونِ الرجل من مشايخ الإجازة من أسباب الحسن ، بل حكى عن ظاهر المشهور عدم دلالة شيخوخة الإجازة على الوثاقة.
قال العلاّمة المشار إليه : «وربّما يفرق بين ما لو كان شيخ الإجازة من المشاهير، فشيخوخة الإجازة تدلّ على الوثاقة ، وغيرِه فلا . ۱۶ وعليه جرى سيّدنا» ۱۷ .
أقول : إنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الظاهر عدالة الشيخ المجيز لو كان مرجعا للمحدّثين في الإجازة والاستجازة ؛ حيث إنّ الظاهر أنّ رجوع المحدّثين إليه في الإجازة ، واشتهارَه بينهم بالاستجازة منه كان من جهة اعتمادهم على عدالته . وإن فرض كون الكتاب المستجاز لروايته متواترا عند بعضهم ، فكأنّ الاستجازة من جهة اتّصال السند ، فكان في المستجيزين جماعة من المعتمدين ـ وإن لم نعرفهم بأعيانهم ـ كانت استجازتهم من جهة الاعتماد على المجيز قطعا ، ولا أقلّ من ظهور ذلك.
فالظاهر في هذه الصورة أنّ الاشتهار بالإجازة كان من جهة الوثاقة ، مع أنّه لا أقلّ من ظهور كون جماعة من المستجيزين معتمدين كانت استجازتهم من جهة الاعتماد ، فيتأتّى لنا الظنّ بالوثاقة ، وفيه الكفاية.
وقد يقال : إنّ من حكم بعدالة مشايخ الإجازة إنّما أراد الشيخوخة في تلك الصورة وفي غير تلك الصورة ، فالظاهر أنّ الاستجازة من جهة اعتماد المستجيز على المجيز وإن احتُمل كون الاستجازة من جهة مجرّد اتّصال السند ، إلاّ أنّ كون اعتماد المستجيز موجبا لاعتمادنا على المجيز مبنى¨ّ على كون المستجيز معتمدا عليه عندنا ، فعلى تقدير كون المستجيز معتمدا عليه يتأتّى الاعتماد على المجيز.
إلاّ أن يقال : إنّه على هذا التقدير ليس ظهور كون الاستجازة منه من جهة اعتماده على المجيز دون مجرّد اتّصال السند بحيث تركن النفس إليه ، فحينئذٍ لا يثبت المدح أيضا .
ولو كان المستجيز ممّن يُطعَن بالرواية عن المجاهيل وغير الثقات ، وإن
لم يكن من المشاهير ، فيمكن القول بدلالة ۱۸ استجازته على وثاقة المجيز.
إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من الطعن في الرواية عن غير الثقات هو الطعن على أخذ الرواية من غير ثقة ۱۹ بحيث كان غير الثقة طريقا في وصول الخبر إلى الراوي ، وهاهنا يمكن أن يكون الكتاب المستجاز لروايته متواترا عند المجيز ۲۰ وكانت الاستجازة من جهة مجرّد اتّصال السند ، فقد بانَ ضعف غير ما صرنا إليه.

1.ما بين القوسين ليس في «د» .

2.تعليقة الوحيد البهبهاني في أوّل منهج المقال : ۹ .

3.انظر مقباس الهداية ۲ : ۲۱۸ .

4.رجال النجاشي : ۳۹ / ۸۰ ، وانظر منتهى المقال لأبي عليّ الحائري ۲ : ۴۲۰ / ۷۶۸ .

5.«لا » غير موجودة في «د» .

6.الرواشح السماويّة : ۷۰ ، الراشحة التاسعة عشر ؛ تعليقة الداماد على رجال الكشّي ۱ : ۳۸ .

7.مثل الحسن بن عليّ بن زياد ، انظر منهج المقال : ۱۰۳ .

8.تعليقة الوحيد البهبهاني : ۱۰۴ ، وانظر روضة المتّقين : ۱۴ / ۴۵ .

9.منهج المقال : ۱۰۳ .

10.قوانين الأُصول ۱ : ۴۸۸ .

11.الرعاية في علم الدراية : ۱۹۲ .

12.الماحوزي في معراج أهل الكمال : ۱۲۶ . وفيه : «ذكر متأخّرو أصحابنا قدّس اللّه أرواحهم أنّ مشايخ الإجازات من أصحابنا لا يحتاجون إلى التنصيص على عدالتهم والتصريح بوثاقتهم» .

13.نقله عنه الحائري في منتهى المقال ۱ : ۸۶ .

14.معراج الكمال : ۶۴ ، وفيه : «وذكرنا أنّه من مشايخ الإجازات ، والظاهر أنّهم في أعلى درجات الجلالة والوثاقة» .

15.تعليقة الوحيد البهبهاني : ۹ .

16.تعليقة الوحيد البهبهاني : ۹ .

17.وهو السيّد حسن المدرّس .

18.كذا في النسخ ، والصحيح «بعدم دلالة» بقرينة الاستثناء .

19.في «د» : «الثقة» .

20.في «د» : «المستجيز» .

صفحه از 412