[ في فائدة الإجازة ]
ثمّ إنّ الإجازة تارة تكون للمحافظة على اليُمن والبركة والفوز بفضيلة الشوكة في النظم في سلسلة أهل العصمة وخزّان العلم والحكمة ـ عليهم آلاف السلام والتحيّة ، إلى ساعة القيام وقيام الساعة ـ ؛ لأنّ من انتظم فيها ، فاز بالمرتبة الفاخرة ، وهذا هو المعروف في أمثال هذه الأعصار بالنسبة إلى الكتب المتواترة وغيرها .
لكن عمدة الغرض من الإجازة والاستجازة في أمثال هذه الأعصار إنّما هي إظهار المجيز حصول قوّة الاستنباط للمستجيز .
واُخرى تكون الإجازة للأمن من التحريف والسقط في المتن ، والكذب في الإسناد إلى الراوي ، وهذا كان معروفا بين المتقدّمين ، لكن كان المتعارف النقلَ بصورة الرواية .
ومن هذا أنّ شيخنا البهائي في الأربعين ۱ وكذا العلاّمة المجلسي في الأربعين ۲
والحكيم الصدر الشيرازي في شرح أُصول الكافي قد ذكر مشايخ إجازته بصورة وسائط الرواية . ۳
[ الرواة والعلماء مصرّون على الإجازة والاستجازة ]
ثمّ إنّ رواة الأخبار وعلماءنا الأخيار كانوا مصرّين ومبالغين في الاستجازة والإجازة ، ومن هذا أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى ـ مع كونه ـ نقلاً ـ شيخَ القمّيين وفقيهَهم ، ومع شدّة رئاسته ، حيث إنّه كان يلقى السلطان غيرَ مدافَعٍ ـ شدّ الرحالَ من قُمَّ إلى الكوفة إلى الحسن بن عليّ بن بنت إلياس استجازةً لكتاب العلاء بن رزين القلاء وكتابِ أبان بن عثمان ، فلمّا أخرجهما له ، قال له : «أُحبّ أن تجيزهما لي» .
فقال : «ما عَجلَتُك؟ اذهب واكتبهما واسمع من بعدُ» .
فقال : «لا آمن الحدثان» .
فقال : «لو علمتُ أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلبُ ، لاستكثرت منه ؛ فإنّي أدركت في هذا المسجد تسعَمائة شيخٍ كلٌّ يقول : حدّثني جعفر بن محمّد عليهماالسلام» . ۴
وعن شيخنا المفيد : أنّه استجاز من الصدوق لمّا أتى بغدادَ وهو أعلمُ منه وأفضلُ منه ، وقال في الردّ عليه في بعض رسائله : «ومن وُفِّق له الرشدُ لا يتعرّض لما لا يُحسنه» . ۵
وعن السيّد المرتضى عَلَم الهدى : أنّه كتب أبو غالب الزراري إجازةً لابن بنته وهو في المهد. ۶
وعن شيخ الطائفة : أنّه أجاز بنتيه جميعَ مصنّفاته ومصنّفات أصحابنا : إحداهما زوجة الشيخ مسعود ورّام ، والأخرى أُمّ ابن ادريس. ۷
وحكى الشهيد الثاني في الرعاية عن الشهيد الأوّل : أنّه استجاز من أكثر مشايخه بالعراق لأولاده ـ الذين وُلدوا بالشام ـ قريبا من ولادتهم ، قال : «وعندي الآنَ خطوطهم بالإجازة» . ۸
وحكى أيضا أنّه رأى خطوط جماعة من فضلائنا بالإجازة لأبنائهم عند ولادتهم مع تاريخ ولادتهم ، منهم السيّد جمال الدين بن طاووس غياث الدين . ۹
وحكى أنّ السيّد فخّار الموسوي أجاز الشيخَ جمال الدين أحمد بن صالح وهو صبيّ صغير لمّا مرّ بوالده مسافرا إلى الحجّ فأوقفه بين يدي السيّد ، فقال السيّد : «يا ولدي أجزتُ لك ما يجوز لي روايته» ثمّ قال : «وستعلم حلاوة ما خصصتك به» . ۱۰
1.الأربعون حديثا للشيخ البهائي : ۶۳ ، ح ۱ .
2.الأربعون حديثا للمجلسي : ۴ ، ح ۱ .
3.شرح أُصول الكافي للشيرازي : ۱۶ ، ح ۱ ، كتاب العقل .
4.رجال النجاشي : ۳۹ / ۸۰ .
5.حكاه النوري في خاتمة المستدرك ۲ : ۲۷ ، الفائدة الثالثة .
6.رسالة أبي غالب الزراري : ۴۲ (المطبوعة ضمن تاريخ آل زرارة) ، وورد في خاتمة المستدرك ۲ : ۲۷ ما نصّه : «وهذا شيخُ علمِ الهدى أبو غالب الزراري كتب الإجازة لابن ابنه وهو في المهد في رسالة طويلة وحكاية لطيفة» .
7.لؤلؤة البحرين : ۲۳۶ و ۲۳۷ ، ترجمة رضيّ الدين أبي القاسم عليّ ، وجمالِ الدين أبي الفضائل ، وانظر مقدّمة كتاب مجموعة ورّام .
8.الرعاية في علم الدراية : ۲۷۱ .
9.الرعاية في علم الدراية : ۲۷۲ .
10.الرعاية في علم الدراية : ۲۷۲ .