رسالة في « لزوم نقد المشيخه » - صفحه 158

[ أصحاب القول الثاني ]

ولعلّ الظاهر ممّن جرى على القدح فيما دلّ على إفساد الغبار بالإضمار كما في المعتبر ۱ والمنتهى ۲ والتنقيح ۳ هو القول بالثاني.
وكذا من جرى على القدح فيما دلّ على عدم إفساد الغبار بالقدح في عمرو ، ولم يتعرّض لجهل الطريق كالمحقّق في المعتبر ؛ حيث قال : «وفي عمرو قولٌ غيرَ أنّه ثقة» . ۴
وكذا من حكم بصحّة ما رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلامقال : «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته» ۵ مع اشتمال طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم على غير واحدٍ من المجاهيل من أولاد البرقي أعني عليّ بن أحمد بن عبد اللّه وأباه ، كما عن العلاّمة ۶ والشهيدين . ۷
ويستفاد القول به من السيّد السند التفرشي فيما ذكره في آخر رجاله من أنّه لو قال قائل بصحّة أحاديث الكتب الثلاثة المأخوذة من الكتب والأصول ـ وإن كان الطريق اءلى هذه الكتب والأصول ضعيفا إذا كان مصنّفو هذه الكتب والأصول ومَن فوقهم من الرجال إلى المعصوم ثقاتٍ ـ لم يكن مجازفا . ۸
إلاّ أن يقال : إنّ غاية ما يقتضيه الكلام المذكور إنّما هي كون أخبار الكتب الثلاثة مأخوذةً من كتب صدور المذكورين وأُصولهم ، ولا دلالة فيه على كون الأخبار المشار إليها مأخوذة من كتب صدور ۹ المذكورين وأُصولهم ، فلعلّها كانت مأخوذة من الكتب والأصول لصدور المحذوفين أو أواسطهم أو أواخرهم ، فلا دلالة في ذلك على عدم وجوب النقد ، بل يجب النقد ؛ لاحتمال كون الأخبار مأخوذة من كتب المحذوفين وأُصولهم .
لكن نقول : إنّ هذا المقال خلاف الظاهر ، بل تعميم الصحّة لصورة ضعف الطرق خالٍ عن الفائدة ؛ إذ لا طريق اءلى الطرق إلى صدور المحذوفين ، فلا فائدة فى¨ صحّتها ، فالظاهر أنّ الغرض كون أخبار الكتب الثلاثة مأخوذةً من كتب صدور المذكورين وأُصولهم ؛ لذكر الطرق إليها ، ووضوح الفائدة في صحّتها ، ف «الكتب» و«الأصول» في صدر العبارة المذكورة وإن كانت أَعمَّ من كتب المحذوفين وأُصولهم صدرا أو غيره .
لكن ذكر «الطرق» في الذيل يقتضي اختصاص الكتب والأصول بكتب صدور المذكورين وأُصولهم ، وهو يقتضي ما ذكره المولى التقيّ المجلسي في أوائل شرحه على الفقيه من أنّ الظاهر أنّ أخبار الكتب الأربعة مأخوذة من الكتب المشهورة المتواترة ، ۱۰ فلا يضرّ ضعف السند إلاّ أن يخدش بما سمعت
الخدشة فيه .
لكنّه قدح في باب صلاة الجمعة بضعف سند رواية محمّد بن مسلم . ۱۱
وهو المستفاد ممّا ذكره العلاّمة السبزواري في أوائل الذخيرة عند الكلام في وجوب الوضوء لمسّ كتابة القرآن من أنّ اشتمال طريق الشيخ إلى حريز على أحمد بن محمّد ـ المشتركِ بين أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمّد بن يحيى ، أو المختصِّ بالأوّل وهما غير موثَّقين ـ لا بأس به ؛ ۱۲ لأنّهما من مشايخ الإجازة وليسا بصاحب الكتاب ، والغرض من ذكرهما رعاية اتّصال السند والاعتماد على الأصل المأخوذ منه ، فلا يضرّ جهالتهما وعدم ثقتهما ؛ إذ الظاهر ابتناء ما ذكره على عدم لزوم نقد الطرق بناءً على كون رجال الطرق من مشايخ الإجازة .
إلاّ أن يقال : إنّه لا بأس باختصاص ما ذكره بأحمد وأمثاله ممّن ثبت كونه من مشايخ الإجازة ، فلا دلالة فيما ذكره على عدم لزوم نقد الطرق ، بناءً على عدم ثبوت كون رجال الطرق كلاًّ من مشايخ الإجازة .
وأيضا قال عند الكلام في رواية الفقيه في باب حكاية الأذان في بيت الخلاء :
وأمّا طريقها في الفقيه فلا يعدّ من الصحاح عند الأكثر ؛ لأنّ في طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم أولادَ البرقي ، ولم يوثّقوهم في كتب الرجال ، ولكنّ التحقيق عندي يقتضي إلحاقه بالصحاح ؛ لأنّ الصدوق صرّح في أوّل كتابه بأنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل ، فالظاهر أنّ نقل الرواية المذكورة من كتاب أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي ؛ إذ ليس للمتأخّر عنه كتاب ، وتلك الكتب كانت معروفة عندهم ، وذِكْر الوسائط ومشايخ الإجازة رعايةٌ لاتّصال
السند ، فلا يضرّ عدم ثقتهم . ۱۳
إلاّ أن يقال : إنّه لو كان الغرض عدمَ لزوم نقد الطرق ، كان المناسب دعوى كون الرواية مأخوذةً من كتاب محمّد بن مسلم ، فالمدار على عدم لزوم النقد لو كان الراوي من مشايخ الإجازة.
وأيضا أورد على ما تقدّم من المنتقى في باب رواية أحمد بن محمّد، عن صفوان بأنّ الظاهر أنّ كتب ابن أبي نصر وأمثاله من الكتب المعروفة المعوّل عليها كانت مشهورةً بينها ، مستغنيةً عن الوسائط في النقل ، وإنّما يكون ذكر الوسائط [في أكثر الأمر] ۱۴ مبنيّا على رعاية اتّصال الاءسناد لئلاّ يتوهّم انقطاع الخبر ، أو رعايةٍ لدأب المحدّثين والأخباريّين ، أو لذهاب القطع حتّى لا يفضي إلى الاختلال في كثير من المواضع ، وعلى هذا فجهالة الواسطة غير ضائرة في صحّة الرواية . ۱۵
وأيضا ذكر أنّ ما رواه الصدوق في باب المبطون عن محمّد بن مسلم وإن كان في طريقه عليّ بن أحمد بن عبد اللّه البرقي وأبوه أحمد ، وهما غير مذكورين في كتب الرجال ، لكنّ الصحيح عندي عدّه من الصحاح ؛ لأنّ الصدوق صرّح في أوّل الكتاب بأنّ جميع ما فيه مستخرجٌ من الكتب المشهورة المعتمدة . ۱۶
والظاهر أنّ الرجلين ليسا بصاحب كتاب معروف معتمد ، فالظاهر أنّ النقل من كتاب أحمد بن أبي عبد اللّه أو كتاب مَن هو أعلى طبقةً منه ، وتلك الكتب كانت معروفة عندهم ، وجهالة الواسطة بينه وبين أصحاب تلك الكتب غير ضائرة ، بل الغرض من إيراد الوسائط إسناد الأخبار واعتبار اتّصالها من غير أن يكون التعويل على نقلهم ، بل هم من مشايخ الإجازة ، وعلى هذا نجري في
مباحث هذا الشرح ، ونعدّ مثل هذه الأخبار صحيحا ، مع التقييد بقولي : «على الظاهر» أو «عندي» إشارةً إلى مثل هذا الأمر . ۱۷
ولعلّ هذه العبارة أوفى من سائر العبارات المذكورة ، بل هو الظاهر ، والظاهر أنّ نقل القول بعدم لزوم النقد عن الذخيرة مستند إلى ما ذكر من الكلمات ولو بعضها.
وجنح إلى القول بذلك العلاّمة الخوانساري في أوائل المشارق ؛ حيث إنّه قدح فيما رواه الشيخ في التهذيب عن عليّ بن جعفر ـ ومدلوله عدم جواز كتابة القرآن للمحدث ـ بأنّ للشيخ إلى عليّ بن جعفر ثلاثةَ طرق على ما نقل :
أحدها : ما ذكره في آخر التهذيب ، ۱۸ و هذا الطريق ليس بصحيح وإن وصفه العلاّمة [في الخلاصة] ۱۹
بالصحّة ؛ لأنّ فيه حسينَ بن عبيداللّه الغضائري ، ولم ينصّ الأصحاب على توثيقه .
والآخَران : ما نقلهما في فهرسته . وهذان الطريقان وإن كانا صحيحين إلاّ أنّه رحمه اللهقال في الفهرست في أثناء ذكر عليّ بن جعفر كلاما بهذه العبارة : «وله كتاب المناسك ، ومسائلُ لأخيه موسى الكاظم بن جعفر عليهماالسلام سأله عنها أخبرنا بذلك» ، ۲۰ وفي بعض النسخ : «أخبرنا به جماعة» إلى آخر ما ذكره .
وهذه العبارة ـ كماترى ـ ليست ظاهرة في أنّ كلّ ما يرويه الشيخ عن عليّ بن جعفر إنّما هو بهذين الطريقين ؛ إذ يجوز أن تكون تلك المسائل مسائلَ خاصّةً مجتمعةً في كتاب مثلاً ، ولم يكن كلّ ما يرويه عنه داخلاً فيها ، مع احتمال رجوع الضمير إلى الكتاب فقط . على أنّ في نسخة الفهرست التي عندنا قد وضع علامة
النسخة فوق قوله : «مسائل» إلى قوله : «أخبرنا» وحينئذٍ يقوى الشكّ جدّا.
وبالجملة ، ما رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار مرسلاً عن عليّ بن جعفر لا يخلو من شيء ، وإن كان يمكن أن يقال : إنّ عدم توثيق حسين بن عبيداللّه لا يضرّ ؛ إذ الظاهر أنّ الشيخ في الكتابين ما حذف من أوّل سنده من الروايات إنّما أخذه من الأصول المشهورة أو المتواترِ انتسابُها إلى أصحابها ، كتواتر انتساب الكتابين إليه الآنَ ، وكذا سائر الكتب المتواتر الانتسابِ إلى مصنّفيها ، ثمّ في آخر الكتابين إنّما ذكر طريقه إليها للتبرّك والتيمّن ولمجرّد اتّصال السند ، وإلاّ فلا حاجة إليه كما أشار إليه نفسه في آخر الكتابين ، وحينئذٍ إذا كان في تلك الطرق مَن لم يوثّقه الأصحاب ، فلا ضير . ۲۱
وهو مقتضى كلام نجله الزكيّ في بعض حواشي رسالته المعمولة في صلاة الجمعة ؛ حيث إنّه ذكر ـ عند الكلام فيما رواه الصدوق في الفقيه عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام من أنّه تجب الجمعة على سبعة نفر من المؤمنين ۲۲ ـ أنّه لا بأس باشتمال الطريق على غير واحد من أولاد البرقي من المجاهيل ؛ لأنّهما ۲۳ من مشايخ الإجازة ، وكانت كتب البرقي موجودة عند الصدوق ، كما أشار إليه الصدوق في فاتحة الكتاب يعني ما ذكره من أنّ جميع ما في الكتاب مستخرج من كتب مشهورة ، إليها المرجعُ ، وعليها المعوّل ، ۲۴ مضافا إلى ما ذكره الصدوق في الفاتحة من أنّ كلّ ما في الفقيه كان يفتى¨ به ويحكم بصحّته ويعتقد أنّه حجّة فيما بينه وبين ربّه . ۲۵

1.المعتبر ۲ : ۶۵۵ .

2.المنتهى ۲ : ۵۶۵ .

3.التنقيح الرائع ۱ : ۳۵۷ .

4.المعتبر ۲ : ۶۷۱ .

5.الفقيه ۱ : ۲۳۷ ، ح ۱۰۴۳ ، باب صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون . التهذيب ۱ : ۳۵۰ ، ح ۱۰۳۶ ، باب الأحداث الموجبة للطهارة .

6.المختلف ۱ : ۱۴۵ ، المسألة : ۹۸ .

7.الذكرى ۲ : ۲۰۲ ؛ روض الجنان : ۴۰ ، ونقله عنهما السبزواري في الذخيرة : ۳۹ .

8.نقد الرجال ۵ : ۴۲۵ ، الفائدة الخامسة .

9.كلمة «صدور» ليست في «د» .

10.روضة المتّقين ۱ : ۱۴ .

11.روضة المتّقين ۲ : ۵۷۴ .

12.ذخيرة المعاد : ۴۰ ـ ۴۱ .

13.ذخيرة المعاد : ۲۲ .

14.ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر .

15.ذخيرة المعاد : ۴۰ ـ ۴۱ .

16.الفقيه ۱ : ۳ ، مقدّمة الكتاب .

17.ذخيرة المعاد : ۳۹ .

18.التهذيب : ۱۰ : ۸۶ ، من المشيخة .

19.ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر .

20.الفهرست : ۸۷ / ۳۶۷ .

21.انتهى كلام مشارق الشموس : ۱۳ .

22.الفقيه ۱ : ۲۶۷ ، ح ۱۲۲۲ ، باب وجوب الجمعة وفضلها .

23.كذا في النسخ .

24.الفقيه ۱ : ۳ ، من المقدّمة .

25.المصدر .

صفحه از 412