[ قيمة أقوال الشيخ الطوسي في الرجال ]
وأمّا الأخير ، ۱ فلعدم حصول الظنّ منه في المقام ؛ لصعوبة الأمر ، كيف ، ۲ وعن الأمين الكاظمي في ترجمة الحكم بن علبا أنّه لا يخفى أغلاط الشيخ . ۳
وأيضا ذكر المحقّق الاسترابادي في ترجمة حسّان بن مهران أنّ عادة الشيخ في كتاب الرجال نقل جميع ما ذكره الأصحاب ، وإن احتمل الاتّحاد ، ۴ يعنى¨ أنّه لا وثوق بتعدّد العنوان من الشيخ في كتاب الرجال ؛ إذ ليس بناؤه على الاجتهاد ، بل على ذكر ما ذكره الأصحاب ، فيمكن اتّحاد المعنون ، مع تعدّد العنوان باعتبار اتّفاق التعدّد في الكلمات ، مثلاً ربّما قال قائل : حسّان بن مهران ، وقال آخَرُ : حسّان بن مهران الغنوي فجمع الشيخ بين العنوانين .
وأيضا ذكر السيّد السند التفرشي في ترجمة القاسم بن محمّد الجوهري أنّ الشيخ في الرجال قد ذكر كثيرا من الرجال تارة في باب من يروي ، وأُخرى في باب من لم يَرْوِ ، وعدّ جماعةً . ۵ وذكر تلك المقالة في ترجمة الحسين بن إشكيب ۶ وريّان بن الصلت ۷ ومعاوية بن حكيم . ۸ وذكر في ترجمة عبد الحميد بن سعد أنّ ذِكْرَ المتّحدِ مختلفين كثير في كلام الشيخ في الرجال مع جَزْمنا
بالاتّحاد . ۹ وذكر في ترجمة إبراهيم بن عبد الحميد أنّ تعدّد العنوان في كلام الشيخ في الرجال كثير مع عدم التعدّد يقينا ، كما يظهر مِن أدنى تتبّعٍ . ۱۰
وأيضا ظاهر المولى التقيّ المجلسي ، بل صريحُه في شرح المشيخة كثرةُ وقوع السهو والغفلة من الشيخ قال :
واعلم أنّ كلّ ما وقع من الشيخ الطوسي من السهو والغفلة باعتبار كثرة تصانيفه ومشاغله العظيمة ؛ فإنّه كان مرجعَ فضلاء الزمان ، وسمعنا من المشايخ ـ وحصل لنا الظنّ أيضا من التتبّع ـ أنّ فضلاء تلامذته ـ الذين كانوا من المجتهدين ـ يزيدون على ثلاثمائة فاضلٍ من الخاصّة ، ومن العامّة ما لا يحصى ؛ فإنّ الخلفاء أعطوه كرسيَّ الكلام ، وكان ذلك لمن كان وحيدا في ذلك العصر ، مع أنّ أكثر التصانيف كان في أزمنة الخلفاء العبّاسيّة ؛ لأنّهم كانوا مبالغين في تعظيم العلماء والفضلاء من العامّة والخاصّة ، ولم يكن في زمان الشيخ تقيّة كثيرة ، بل كانت المباحثة في الأُصول والفروع حتّى في الإمامة في المجالس العظيمة . وذكر ابن خلّكان جماعة كثيرة من أصحابنا في تاريخه وكانوا بحيث لا يمكنهم إخفاء مذاهبهم . ومباحثات القاضي عبد الجبّار والباقلاني وغيرهما مع المفيد والمرتضى وشيخ الطائفة مذكورة في تواريخ الخلفاء ، فلهذه المشاغل العظيمة يقع منه السهو كثيرا . ۱۱
وأيضا قد عَدَّ في اللؤلؤةِ من مصنّفات السيّد هاشم البحراني لدى شرح حاله كتابَ تنبيه الأديب في رجال التهذيب ، قال :
وقد نبّه فيه على أغلاط عديدة لا تكاد تحصى كثرةً فيما وقع للشيخ في
أسانيد أخبار الكتاب المذكور ، قال : وقد نبّهنا في كتابنا الحدائق الناضرة على جملةِ ما وقع له من السهو والتحريف في متون الأخبار وقلّما يسلم خبر من أخبار الكتاب المذكور من سهو أو تحريف في سنده أو متنه . ۱۲
وقال أيضا في شرح حال الشيخ الطوسي :
وقع للشيخ المذكور سيّما في التهذيب السهو والغفلة والتحريف والنقصان في متون الأخبار وأسانيدها ، وقلَّما يخلو خبر من علّة من ذلك ، كما لا يخفى على من نظر في كتاب التنبيهات الذي صنّفه السيّد العلاّمة السيّد هاشم في رجال التهذيب ، وقد نبّهنا في كتاب الحدائق الناضرة على ما وقع له من النقصان في متون الأخبار ، حتّى أنّ كثيرا ممّن يعتمد في المراجعة عليه ولا يراجع غيره من كتب الأخبار وقعوا في الغلط ، وارتكبوا في التفصّي عنه الشطَطَ كما وقع لصاحب المدارك في مواضعَ من ذلك . ۱۳
وأيضا قد حكم الفاضل الخواجوئي في أوائل أربعينه وأوائل رسالته المعمولة في الكرّ بأنّه لا يسوغ الاعتماد على أقوال الشيخ في الرجال في معرفة أحوال الرجال ، ولا يفيد إخباره بها ظنّا ولا شكّا في حال من الأحوال ؛ تعليلاً بأنّ كلامه في هذا الباب محلّ الاضطراب ، وعدَّ من اضطراب كلامه أنّه يقول في موضع :
إنّ الرجل ثقة ، وفي آخَرَ يقول : إنّه ضعيف كما في سالم بن مكرم الجمال ۱۴ وسهل بن زياد ، ۱۵ وأنّه قال في الرجال : محمّد بن عليّ بن بلال
ثقة ، ۱۶ وفي كتاب الغيبة إنّه من المذمومين ، ۱۷ وأنّه قال في العدّة : إنّ عبد اللّه بن بكير ممّن عملت الطائفة بخبره بلا خلاف ، ۱۸ وفي الاستبصار في آخر الباب الأوّل من أبواب الطلاق صرّح بما يدلّ على فسقه وكذبه ، وأنّه يقول برأيه ، ۱۹ وأنّه قال في الاستبصار : إنّ عمّار الساباطي ضعيف لا يعمل بروايته ، ۲۰ وفي العدّة : لم تزل الطائفة تعمل بما يرويه ، وأنّه قد ادّعى عمل الطائفة بأخبار الفطحيّة مثل عبد اللّه بن بكير وغيره ، وأخبارِ الواقفيّة مثل سماعه بن مهران، وعليّ بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى ، وبني فضّال ، والطاطريّين ، ۲۱ مع أنّا لم نجد أحدا من الأصحاب وثّق عليّ بن أبي حمزة البطائني ، أو يعملُ بروايته إذا انفرد بها ؛ لأنّه خبيث واقفي كذّاب مذموم.
وقس عليه حالَ غيره ممّن ادّعى عمل الطائفة بروايته في كلامه المذكور ، وأنّه تارة يشترط في قبول الرواية الإيمانَ والعدالة كما قطع به في كتبه الأُصوليّة ، ۲۲ وهذا يقتضي أن لا يعمل بالأخبار الموثّقة والحسنة كالصحيحة ، وأنّه تارة يعمل بالخبر الضعيف مطلقا ، حتّى أنّه يخصّص به أخبارا كثيرة صحيحة ، حيث تُعارضها بإطلاقها ، وتارة يصرّح بردّ الحديث لضعفه ، وثالثة يردّ الخبر الصحيح معلّلاً بأنّه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملاً.
وذكر : أنّ أمثال ما ذكر من الشيخ كثير جدّا . وتعجّب من صاحب الذخيرة حيث تمسّك على اعتبار رواية عثمان بن عيسى بنقل الاتّفاق على العمل من الشيخ في كلامه المذكور ، مع أنّه معدود في عداد من لا تعمل الطائفة بأخباره ، إلاّ أن تكون محفوفة بالقرائن ، كيف وقد صرّح الشهيد الثاني في الدراية بأنّ أغلب أصحابنا لا يعملون بأخبار الموثّقين من المخالفين كالفطحيّة والواقفيّة والناووسيّة ، فما ظنّك بأخبار غير الموثّقين من المخالفين كابن عيسى وابن حمزة ، ومن شاكلهم . ۲۳
لكن أوردنا على بعض كلماته في بعض فوائدنا الرجاليّة ، ومع ما ذكر فقد عمل الشهيد الثاني رسالة في الإجماعات التي نقلها الشيخ وخالفها نفسُه ، وقد عدّه في الدرّ المنثور من مصنَّفاته ممّا لم يذكره ابن العودي . ۲۴
لكن مع جميع ما ذُكر لا يخرج كلامه عن التمسّك والاستناد إلى يوم التناد ؛ حيث إنّ من أعزّه اللّه سبحانه لا يخرج عن العزّ ولو اجتمع الجنّ والإنس على أن يخرجوه منه ، وكان بعضهم لبعض ظهرا وظهيرا ۲۵ مع أنّ السيّد السند النجفي ـ وهو بمكانة قد ذكر صاحبُ مفتاح الكرامة في رسالته المعمولة في عصير التمر والزبيب أنّه علامةُ عصمةِ أهل البيت ، وحكى بعض أنّه احتمل جماعة كونَه هو إمامَ العصر ـ عجّل اللّه فرجه ـ إلاّ أنّ مِنَّة سبحانه صوَّره بصورة السيّد السند المشار إليه لحكمة ومصلحة ـ قد ذكر في وصف الشيخ أنّه اءمام الفرقة بعد الأئمّة المعصومين ، وعماد الشيعة الإماميّة في كلّ ما يتعلّق بالمذهب والدين ، محقّق الأصول والفروع ، ومهذّب فنون المعقول والمسموع . ۲۶
وذكر في وصف التهذيب :
أنّه كان للفقيه فيما يبتغيه من روايات الأحكام يغني عمّا سواه في الغالب ولا يغني عنه غيره في هذا المرام ، مضافا إلى ما اشتمل عليه من الفقه ، والاستدلال ، والتنبيهِ على الأُصول والرجال ، والتوفيقِ بين الأخبار ، والجمعِ بينها بشاهد النقل والاعتبار . ۲۷
وذكر في وصف تبيانه في التفسير :
أنّه الجامع لعلوم القرآن ، وهو كتاب جليل كبير ، عديم النظير في التفاسير ، وشيخنا الطبرسي ـ إمامُ التفسير في كتبه ـ إليه يزدلف ، وعن بحره يغترف ، وفي صدر كتابه الكبير بذلك يعترف ، وقال فيه : إنّه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحقّ ، ويلوح منه رواء الصدق ، وقد تضمّن من المعاني الأسرار البديعةَ واختصن ۲۸ من الألفاظ اللغةَ الوسيعة ، ولم يقنع بتدوينها دون تبيينها ، ولا بتنميقها دون تحقيقها ، وهي القدوة أستضيء بأنواره ، وأطأ مواضع آثاره ، والشيخ المحقّق محمّد بن إدريس ـ مع كثرة وقائعه مع الشيخ في أكثر كتبه ـ يقف عند تبيانه ، ويعترف بعِظَم شأن هذا الكتاب واستحكام بنيانه ، فقال : وأمّا الفقه ، فهو خِرِّيت هذه الصناعة ، والمُلقى إليه زمامُ الانقياد والطاعة ، وكلّ من تأخّر عنه من الفقهاء الأعيان فقد تفقّه على كتبه ، واستفاد منه نهاية أَرَبه ، ۲۹ ومنتهى مطلبه . ۳۰
وربّما يجاب بأنّ ترك تضعيف الطريق من الشيخ لعلّه من جهة ضعف بعض
المذكورين ، أو من جهة اعتبار الطريق عند الشيخ ـ ولو جرى الشيخ على التضعيف في موضع آخر ؛ لأنّه قد يضعِّف الرجل في موضع ، ويوثّق في موضع آخر ـ أو من جهة ثبوت الاعتماد على الطريق من جهة قرينة خارجية.
لكنّه يندفع بأنّ مدار الاستدلال على ترك التضعيف ۳۱ على وجه عموم السلب . وما ذكر من الوجوه إنّما يصحِّح عدم التضعيف ولا يصحّح عموم السلب ؛ إذ دعوى اطّراد تلك الوجوه في جميع الموارد ـ بحيث لا يبقى مورد يصلح للتضعيف ـ ضعيفة غايةَ الضعف ، فإذن نقول : إنّ الأمر في المقام لا يخلو عن الإشكال ، والأولى مراعاة الطرق والفحص عن حالها ، هذا ما تأدّى إليه النظر في سوابق الأزمان .
لكن الذي كان يقوى في النظر بعد ذلك في لواحق الأوان القولُ بعدم وجوب النقد ، نظرا إلى أنّ مقتضى كلمات الشيخين أنّ استخراج الأخبار إنّما كان من كتب صدور المذكورين ، فذِكْر الطرق من باب اتّصال السند تيمّنا وتبرّكا لا الاختصارَ كذكر المتأخّرين طرقهم إلى المشايخ الثلاثة في مقام الرواية ، فانظر صدر الأربعين لشيخنا البهائي رحمه الله، ۳۲ وصدر الأربعين للعلاّمة المجلسي ۳۳ وشرح أُصول الكافي لصاحب الأسفار ؛ ۳۴ حيث ذكروا مشايخ الإجازة على سبيل الاتّصال والإيصال إلى سند الرواية ، ولا حاجة إلى تواتر الكتب عند الشيخين ، بل يكفى¨ ظنّهما بالانتساب ، بل يكفى¨ ظنّنا بالانتساب ، كما هو المتحصّل في الباب ، ولو كان المتحصّل للشيخين هو الظنَّ بالانتساب لحصل الظنّ بالانتساب لنا على تقدير حصول الظنّ بالانتساب للشيخين ؛ إذ الظاهر عدم الخطأ ، غاية الأمر أنّ الظنّ
المتحصّل بالانتساب لنا أضعفُ من الظنّ المتحصّل للشيخين لو كان الأمر من باب حصول الظنّ بالانتساب لهما ، وعلى ذلك ـ أعني كفاية الظنّ بالانتساب لنا ـ المدارُ في كثير من الكتب في عموم الأعصار .
قال الصدوق في أوّل الفقيه : ۳۵ «وصنّفت هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلاّ يكثر طرقه وإن كثرت فوائده» ثمّ قال : «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع» . ۳۶
لكن يمكن أن يقال : إنّ قوله : «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة» يحتمل أن يكون المقصود به الاستخراجَ من كتب صدور المذكورين ، وعلى هذا لا حاجة إلى نقد الطريق ؛ لأنّ رجال الطريق من مشايخ الإجازة .
ويحتمل أن يكون المقصود الاستخراجَ من كتب صدور المحذوفين ، فرجال الطريق وسائط الاءسناد ، ولابدّ من نقد الطريق .
ويحتمل أن يكون المقصود الاستخراجَ من الكتب المشهورة سواء كانت الكتب كتبَ صدور المحذوفين أو أواسطِهم أو أواخرِهم ، أو صدورِ المذكورين .
ويقتضي القولَ به ما تقدّم من بعض كلمات العلاّمة السبزواري وابن أُخته ؛ لجريانهما على كون الرواية مستخرجةً من كتاب البرقي الواقع في الطريق ، ۳۷ وعلى هذا الوجه لابدّ من النقد أيضا ؛ لاحتمال كون الرواية مستخرجة من كتب صدور المحذوفين ، فلم يثبت دلالة العبارة على استخراج الروايات من كتب
صدور المذكورين ، حتّى لا يلزم النقد .
لكن نقول : إنّ الاحتمال الأوّل ـ أعني كون المقصود الاستخراجَ من كتب صدور المذكورين ـ أظهرُ بملاحظة عبارة التهذيب والاستبصار كما يأتي ؛ إذ الظاهر كون الأمر في الكلّ على وَتِيرة واحدة ، مع أنّه قد ذَكر عند ذكر الطرق طريقَه إلى الكليني ، ولا ريب في أنّه أخذ الروايةَ عن الكافي ، وكانت الوسائط ـ أعني رجال الطرق ـ من مشايخ الإجازة ، والظاهر أنّ الطرق على طريقة واحدة ، فالظاهر أنّ الوسائط في جميع الطرق من مشايخ الإجازة .
إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من تعليل حذف الأسانيد بعدم كثرة الطرق هو كون الطرق محتاجا إلى ذكرها ؛ إذ لو كان رجال الطريق من باب مشايخ الإجازة ، لما كان ذكرها محتاجا إليه ، حتى يعتذر عن ترك الذكر ، بل كان الذكر محتاجا إلى الاعتذار ؛ إذ ذكر طرق الإجازات في كلّ من الروايات من اللغو الظاهر .
اللهمّ إلاّ أن يكون المتعارف بين الرواة ذكرَ مشايخ الإجازة ، مع تواتر الكتب من باب التيمّن والتبرّك باتّصال السلسلة أو من باب زيادة الاحتياط .
لكن نقول : إنّه قد علّل الشيخ في التهذيب ترك ذكر الطريق بما علّل به الصدوق كما يأتي ، مع أنّ مقتضى صريح كلامه كون رجال الطرق من مشايخ الإجازة فتكون الروايات مأخوذة من كتب صدور المذكورين .
ويمكن أن يقال : إنّ الصدوق كان بناؤه بادئَ الأمر على حذف السند بالكلّيّة ، كما هو مقتضى العبارة الأولى من العبارتين المتقدّمتين ، وعلى هذا المجرى جرى في أوائل الفقيه ، كيف لا وعباراته في أوائل الفقيه مثل عبارات الفقهاء في الكتب الفقهيّة ، فالمقصود بالاستخراج من كتب مشهورة في العبارة الثانية من العبارتين المتقدّمتين إنّما هو الاستخراج من كتب صدور المحذوفين ، فلا دلالة في العبارة الثانية على اعتبار الطريق .
ويرشد إلى ما ذكر ما ذكره المولى التقيّ المجلسي من أنّ الصدوق لم يكن في
باله أوّلاً أن يذكر الأسناد ، وذكر : «إنّي صنّفت هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلاّ يكثر طرقه ، وإن كثرت فوائده» وسلك قليلاً على هذا المسلك ، ثمّ أُلهم بأنْ يذكر أساميَ أصحاب الأصول ، ويشير في الفهرست إلى طرقه إليهم ، ونعم ما فعل ، فإنّه لم يسبقه إليه أحد ممّن تقدّمه من علماء أصحابنا رضي اللّه عنهم ، والعامّة فيما اطّلعت عليه من كتبهم . ۳۸
ويمكن أن يقال : أنّ الصدوق قد ذكر أنّه استخرج الفقيه من كتب جماعة معدودة في كلامه ۳۹ وغيرها كما يأتي في بعض التنبيهات ، والجماعة المذكورة صدور المذكورين ، إلاّ أنّه لم يرو عن بعضهم كما يأتي ، وهذا مرشد كامل إلى كون المحذوفين من باب مشايخ الإجازة .
لكنّه يشكل ـ بعد منافاة ذلك للاعتذار عن حذف المحذوفين ؛ لعدم الحاجة إلى ذكر مشايخ الإجازة بعد اشتهار كتب صدور المذكورين ، بحيث كان عليها المعوّل وإليها المرجع كما هو مقتضى كلامه بناءً على كون الاستخراج من كتب صدور المذكورين ، ويأتي مزيد الكلام بُعَيْدَ هذا ـ بأنّ ذلك ينافي مع ما ذكره قبل ذلك أنّه حذَف الأسانيد ؛ إذ مقتضاه كون الجماعة صدورَ المحذوفين .
إلاّ أن يقال : إنّه لو لم يثبت بذلك كون رجال جميع الطرق مشايخَ الإجازة ، لكن لا ينبغي الإشكال في كون رجال الطرق إلى تلك الجماعة المذكورة مشايخَ الإجازة .
لكن يخدشه أنّ كلاًّ من الوجهين المذكورين يوجب الوهن في دعوى الاستخراج من كتب صدور المذكورين لو كان الغرض الاستخراجَ من كتبهم من غير فرق بين تلك الجماعة المذكورة وغيرها .
ويشكل ذلك أيضا بأنّ طائفة من أواخر المحذوفين في جانب انتهاء ذكر
الطريق وسائطُ في الكافي ، ويبعد كونهم في طرق الفقيه مشايخَ الإجازة فقط ، بل كثيرا مّا يكون بعض المذكورين واقعا في الطريق ، والظاهر اتّحاد المساق ، ولا مجال لكون المذكور من مشايخ الإجازة ، فلابدّ أن يكون المحذوف من وسائط الاءسناد وإن أمكن أن يكون الراوي واسطة في الإسناد بالنسبة إلى رواية بعض من الرواة ، ومن مشايخ الإجازة بالنسبة اءلى بعضٍ آخَرَ من الرواة ، نظير أنّ بعض الرواة قد يروي تارة عن بعض الرواة بلا واسطة ، وأُخرى مع الواسطة ، ويأتي في بعض التنبيهات أنّه قد اتّفق في مشيخة الفقيه والتهذيبين وقوع مَن ذُكر الطريقُ إليه في الطريق إلى بعض آخر .
وقال الشيخ في آخر التهذيب :
واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله ـ إلى أن قال ـ : والآنَ فحيث وفّق اللّه للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي بها يتوصّل إلى رواية هذه الأُصول والمصنَّفات ، ونحن نذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الأخبار عن حدّ المراسيل ، وتلحقَ بباب المسندات . ۴۰
وقال في آخر الاستبصار :
وكنت سلكت في أوّل الكتاب إيرادَ الأحاديث بأسانيدها ، وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأوّل والثاني ، ثمّ اختصرت في الجزء الثالث ، وعوّلت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه أو أصله على أن أُورد عند الفراغ جملةً من الأسانيد التي يتوصّل بها إلى هذه الكتب والأُصول . ۴۱
وأنت خبير بصراحة العبارتين في كون الأخبار مأخوذة من كتب صدور المذكورين ، مع أنّ الشيخ ذكر في كلّ من التهذيب والاستبصار في عداد طرقه الطريقَ إلى كلّ من الكليني والصدوق ووالده ، ۴۲ ولا شكّ في أنّ الشيخ أخذ الروايات المرويّة عن هؤلاء عن كتبهم ، فالوسائط مشايخ الإجازة ، على أنّ مقتضى ما يأتي من عبارة التهذيب والاستبصار أنّ المدار في طرقهما على ما ذكرهما الشيخ في الفهرست ، وهو إنّما يأتي في الفهرست بعنوان صاحب الكتاب ، ويحكي الأخبار عن جماعة في جانب الطول .
والظاهر ـ بل بلا إشكال ـ أنّ الغرض الإخبارَ على وجه الإجازة لا الإسنادِ . والذي يختلج بالبال في الحال أن يقال : إنّه قد تكرّر وتكثّر من الشيخ في التهذيب الرواية عن الشيخ المفيد ، عن ابن قولويه ، عن الكليني ، فكلّ من الأوّلين من باب مشايخ الإجازة ؛ لوضوح تواتر الكافي ، وكونِ الخبر مأخوذا منه ، فالكليني مبدأ الاءسناد ، بل الابتداء بالشيخ المفيد روايةً عن غير ابن قولويه غير عزيز أيضا في أوائل التهذيب .
وما ذكر ينافي ما تقدّم من مشيخة التهذيب من أنّ الروايات مأخوذة من كتب صدور المذكورين ، ففي صورة حذف الطريق يتطرّق في كلّ من المحذوفين والمذكورين احتمال كونه مبدأَ الإسناد ، فلابدّ من نقد المحذوفين والفحص عن حالهم ، كيف لا وما ذكر نتيجة التخلّف عن الدعوى الواحدة ، وقد ذكر في باب وجوب نقد أخبار الكتب الأربعة أنّ الصدوق تعهّد أن لا يروي إلاّ ما يفتي به ، ولا يذكرَ المعارض للرواية ، ۴۳ وقد تخلّف عن العهد الأخير بعد مُضيّ شطر من الكتاب ، فهو يوجب الوهن في العهد الأوّل ، وإن أمكن القدح فيه بأنّ الأمر من قبيل العام المخصَّص ، وكذا عدم اعتبار بعض أجزاء النصّ ، فالتخلّف عن العهد
الأخير لا يوجب الوهن في العهد الأوّل .
ويمكن الذبّ بأنّ مرجع ما ذكره الشيخ في آخر التهذيب إلى أنّه أخذ الروايات من كتب صدور المذكورين في صورة الحذف ، فلو لم يحذف رأسا وكان صدر المذكور من مشايخ الإجازة لا ينافي ذلك .
ويندفع بأنّه لم يقيّد الشيخ تعهُّدَ الأخذ من كتاب صدور المذكورين بصورة الحذف ، بل تعهَّد عهدين على وجه الإطلاق : أحدهما : الأخذ من كتب صدور المذكورين ، والآخر : ذكر الطريق إلى صدر المذكور ، فالابتداء بشيخ الإجازة ينافي إطلاق العهد الأوّل .
ويمكن الذبّ بأنّ ما رواه في التهذيب عن الشيخ المفيد عن ابن قولويه عن الكليني ۴۴ ليس على سبيل الغالب في نقل الأخبار في الكافي والتهذيب وغيرهما ، وهو أن يقال مثلاً : «أحمد بن محمّد» بل التعبير بالإخبار بقوله : «أخبرني الشيخ ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب» فينصرف تعهّد أخذ الرواية عن صدر المذكور إلى الصورة الغالبة ، فالابتداء بشيخ الإجازة في الصورة النادرة لا ينافي التعهّد المشار إليه . وهو ضعيف .
1.هذا إشكال على الدليل الأخير في المقام على عدم لزوم نقد المشيخة وقد تقدّم .
2.في «ح» زيادة : «لا» .
3.لم نعثر عليه في هداية المحدثين : ۴۸ في باب الحكم ، ولعلّه موجود في كتابه شرح جامع المقال في تمييز المشتركات في الرجال وهو غير موجود عندنا .
4.منهج المقال : ۹۵ .
5.نقد الرجال ۴ : ۴۵ / ۴۱۹۶ .
6.نقد الرجال ۲ : ۷۹ / ۱۴۱۸ .
7.نقد الرجال ۲ : ۲۴۹ / ۲۰۰۸ .
8.نقد الرجال ۴ : ۳۸۷ / ۵۳۲۴ .
9.نقد الرجال ۳ : ۳۵ / ۲۸۱۰ .
10.نقد الرجال ۱ : ۷۱ / ۹۷ ـ ۹۸ .
11.روضة المتّقين ۱۴ : ۴۰۵ .
12.لؤلؤة البحرين : ۶۵ .
13.لؤلؤة البحرين : ۲۹۷ .
14.نقل التضعيف والتوثيق العلاّمة في الخلاصة : ۲۲۷ / ۲ . ومحلّ التضعيف في الفهرست : ۷۹ / ۳۳۷ .
15.ضعفّه الشيخ في الفهرست : ۸۰ / ۳۳۹ ، ووثّقه في أصحاب الإمام الهادي في الرجال : ۴۱۶ / ۴ . وحكى التوثيق والتضعيف العلاّمة في الخلاصة : ۲۲۸ / ۲ .
16.رجال الشيخ : ۴۳۵ .
17.الغيبة : ۲۱۴ .
18.عدّة الأُصول ۱ : ۱۵۰ .
19.الاستبصار ۳ : ۲۷۶ ، ذيل ح ۹۸۲ ، باب من طلّق ثلاث تطليقات للسنّة لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره .
20.الاستبصار ۱ : ۳۷۲ ، ذيل ح ۱۴۱۳ ، باب السهو في صلاة المغرب .
21.عدّة الأُصول ۱ : ۱۵۰ .
22.عدّة الأُصول ۱ : ۱۴۸ .
23.انتهى كلام الفاضل الخواجوئي ، وانظر الأربعين حديثا : ۲۷ ـ ۲۹ .
24.الدرّ المنثور ۲ : ۹۹ .
25.في «د» زيادة : «في الغالب» .
26.رجال السيّد بحر العلوم ۳ : ۲۲۸ .
27.رجال السيّد بحر العلوم ۳ : ۲۲۸ .
28.قوله : «واحتصن» بالصاد المهملة والنون من الحصن (منه عفي عنه) . كذا في النسخ والظاهر : احتضن كما هو في المصدر . رجال السيّد بحر العلوم ۳ : ۲۲۸ .
29.قوله : «أرَبِه» الأرب ـ بالفتحتين ـ : الحاجة كما في المصباح (منه عفي عنه) .
30.رجال السيّد بحر العلوم ۳ : ۲۲۸ .
31.في «د» : «الضعيف» .
32.الأربعون حديثا للبهائي : ۶۳ ، ح ۱ .
33.الأربعون حديثا للمجلسي : ۴ ، ح ۱ .
34.شرح أُصول الكافي : ۱۶ ، ح ۱ ، كتاب العقل .
35.قوله : «وقال الصدوق في أوّل الفقيه» وقال في مشيخة الفقيه عند ذكر الطريق إلى أبي حمزة الثمالي : وطرقي إليه كثيرة ولكن اقتصرت على طريق واحد . وقد حكم المولى التقيّ المجلسي بأنّ الظاهر منه كون الكتاب معلوما عنده ، وإنّما كان يذكر السند لئلاّ يُظنّ الإرسال ، أو للتيمّن والتبرّك (منه) .
36.الفقيه ۱ : ۳ ، من المقدّمة .
37.ذخيرة المعاد : ۲۲ .
38.روضة المتّقين ۱۴ : ۱۰ .
39.الفقيه ۱ : ۳ ، من المقدّمة .
40.التهذيب ۱۰ : ۴ ـ ۵ ، من المشيخة .
41.الاستبصار ۴ : ۳۰۴ ، سند الكتاب .
42.التهذيب : ۱۰ : ۵ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۰۵ ، سند الكتاب .
43.الفقيه ۱ : ۳ ، من المقدّمة .
44.التهذيب ۱ : ۹ ، ح ۱۴ ، باب الأحداث الموجبة للطهارة .