[ اعتبار طريق الفهرست لا ينفع في اعتبار طريق التهذيبين ]
وبعد ما مرّ أقول : إنّه يمكن أن يقال : إنّ اعتبار طريق الفهرست لا يجدي في اعتبار الخبر المذكور في التهذيب أو الاستبصار بملاحظة ما حكاه السيّد السند النجفي ، ۱ تعليلاً لما جرى عليه من أنّ اعتبار الطريق المزبور لا يجدي في اعتبار الخبر المذكور من أنّ الشيخ يختلف نقله عن الكتاب ؛ حيث إنّه قد يخرّج الحديث من كتب من تقدّم من المحدّثين ، وقد يخرّجه من كتب من تأخّر ، فغاية الأمر ثبوت الكتاب لصدر السند بنصّ الفهرست ، وصحّة الطريق المذكور في الفهرست بالنسبة إليه ، لكن لم يثبت كون الخبر مأخوذا من الكتاب المشار إليه ، فيمكن أن يكون الخبر مأخوذا من كتاب بعض من تأخّر عن الصدر أو يكون مسموعا من الأفواه ، فلم يُعرف المأخذ ، فلا يتأتّى الاعتبار .
نعم ، يتأتّى الاعتبار لو كان الطريق المذكور في الفهرست مذكورا بوصف كونه طريقا لجميع روايات الصدر .
وبما مرّ يظهر الحال فيما لو كان للصدر كتابان ، وكان في الفهرست طريق معتبر ۲ إلى أحد الكتابين ، لكن لم يُعرف أنّ الحديث المذكور في التهذيب أو الاستبصار من أيّ الكتابين ، ومنه ما تقدّم في المنتقى في حديث أحمد بن محمّد، عن صفوان من أنّ طريق الشيخ في الفهرست إلى أحد كتابي البزنطي غير صحيح ، ولم يعلم من أيّهما أخذ الحديث ، أو كان للصدر كتاب في بعض المسائل الفقهيّة أو غيرها ، وكان الحديث المذكور في التهذيب أو الاستبصار في بعض آخر من المسائل . ۳
ومنه ما تقدّم من بعض الأواخر فيما دلّ على عدم إفساد الغبار للصوم ممّا رواه في التهذيب عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال ۴۵ من أنّ الشيخ إنّما ذكر في الفهرست طريقه إلى أحمد بالنسبة إلى كتاب الوضوء والصلاة ، فطريقه إلى كتاب الصيام مجهول .
إلاّ أنّ الظاهر منه ذكر كتاب الصيام في الفهرست في ترجمة أحمد أيضا ، مع أنّه لم يذكر في ترجمته غير كتاب الوضوء والصلاة ، فكان المناسب أن يقول : فطريقه إلى الرواية المذكورة مجهول.
ويمكن أن يقال : إنّ ما ذكره السيّد السند النجفي إن كان المقصود به أنّ الشيخ قد يأخذ الرواية من كتاب بعض من تقدّم من الرواة كما في الأخذ من كتاب أكثر صدر المذكورين ، وقد يأخذ الرواية من كتاب بعض من تأخّر من الرواة ، كما في الأخذ من الكافي أو الفقيه .
ففيه : أنّه غير ثابت ، بل لا مجال لثبوت كون الرواية مأخوذة من كتاب بعض المحذوفين . نعم ، غاية الأمر القول به على وجه الاحتمال مع الإشكال ؛ لتصريح الشيخ بكون الروايات مأخوذة من كتب صدور المذكورين أو أُصولهم ، إلاّ أنّه يظهر الكلام فيه بما مرّ .
وإن كان المقصود أنّ الشيخ قد يأخذ الرواية من كتاب بعض من تقدّم كما في الأخذ من كتاب صدر المذكورين ، وقد يأخذ الرواية من كتاب بعض من تأخّر كما في الأخذ من الكافي والفقيه ، ففي حذف الطريق يتطرّق احتمال كون الرواية مأخوذة من كتاب بعض المحذوفين .
ففيه : أنّه ينافي التصريح المذكور من الشيخ وإن تقدّم الكلام فيه ، لكنّه أمر آخر ، فقد بان الحال في احتمال كون الرواية مأخوذة من كتاب بعض المحذوفين .
ولا يذهبْ عليك أنّ إضرار هذا الاحتمال إنّما هو لو كان مَن احتُمل كون الرواية مأخوذة من كتابه (ضعيفا أو كان متأخّرا عن الضعيف ، وأمّا لو كان من احتمل كون الرواية مأخوذة من كتابه) ۶ متقدّما على الضعيف ، فلا ضير في أخذ الرواية من كتابه مع ثبوت انتساب الكتاب إلى من نسبه إليه .
وأمّا احتمال اختلاف طريق الفهرست والتهذيبين في باب الروايات باختصاص أحدهما ببعض الروايات واختصاص الآخر بالآخر ، فهو مدفوعٌ بأنّ الظاهر ممّا تقدّم من عبارة التهذيب والاستبصار أنّ طرق التهذيبين على ما ذكره في الفهرست ، ولا ريب أنّ الظاهر من ذكر الطريق إلى الكتاب هو كون الطريق طريقا لجميع الروايات ؛ قضيّةَ الإطلاق ، فالظاهر اتّحاد عرض طرق التهذيبين والفهرست بحسب عموم الروايات ، بل حكم السيّد السند النجفي بأنّ تدوين الطرق في الفهرست بمنزلة حوالة الحال في أخبار التهذيبين إلى الفهرست ۷
فالظاهر عدم اختلاف طرق التهذيبين مع طرق الفهرست بحسب عموم الروايات .
ثمّ إنّه ربّما يتوهّم اختصاص حوالة طرق التهذيبين من الشيخ إلى الفهرست ۸ بصورة حذف الطريق (في التهذيبين) ۹ وعدم عمومها لصورة ذكر الطريق فيهما .
ويندفع بعموم ما تقدّم من كلام الشيخ في باب الحوالة ، بل لا مجال للفرق بين الحذف والذكر ، هذا .
ويظهر ثمرة اطّراد الحوالة في صورة الذكر وعدمه على تقدير اعتبار طريق الفهرست دون طريق التهذيبين .
وربّما يتخيّل اطّراد الثمرة لو كان طريق الفهرست أقوى .
وفيه : أنّ القوّة في بعض أجزاء السند لا تجدي ولا تنفع ؛ إذ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين ، فلا جدوى ولا نفع في كون طريق الفهرست أقوى ، فلا يطّرد الثمرة في ذلك ، فقد بان فسادها لو توهّم اطّراد الثمرة في تعدّد الطريق على تقدير اعتبار كلّ من طريق الفهرست وطريق التهذيبين .
1.رجال السيّد بحر العلوم ۴ : ۷۹ .
2.كلمة «معتبر» ليست في «د» .
3.منتقى الجمان ۱ : ۱۴۸ ، باب كيفيّة الوضوء .
4.التهذيب ۴ : ۳۲۴ ، ح ۱۰۰۳ ، باب في الزيادات .
5.انظر جواهر الكلام ۱۶ : ۲۳۴ .
6.ما بين القوسين ليس في «د» .
7.رجال السيّد بحر العلوم ۴ : ۷۵ .
8.في «د» زيادة : «فالظاهر عدم اختلاف الطرق» .
9.ما بين القوسين ليس في «د» .