التاسع : [ العبارتان المتكرّرتان ] [ في مشيخة التهذيب والاستبصار مفادهما واحد أو متعدّد؟ ]
أنّه قد اتّفق من الشيخ في مشيخة كلّ من التهذيبين عبارتان ؛ فإنّه قال تارة : «وما ذكرته عن فلان فقد رويته عن فلان» إلى آخر الطريق ، والغالب في ذكر المشيخة من هذا القبيل ، وأُخرى قال : «ومن جملة ما ذكرته عن فلان فقد رويته عن فلان» إلى آخر الطريق ، وقد اتّفقت هذه العبارة في كلّ من التهذيبين في باب أحمد بن محمّد بن عيسى ، ۱ وأحمد بن محمّد بن خالد ، ۲ والفضل بن شاذان ، ۳ والحسن بن محبوب ، ۴ والحسين بن سعيد مع الحسن بن محبوب ، ۵ وأحمد بن محمّد مطلقا ۶ غيرَ مقيّد بمحمّد . ۷
لكن تكرّرت العبارةُ في باب أحمد بن محمّد بن عيسى مرّة بعد مرّة ، وكذا في باب أحمد بن محمّد بن خالد ، وكذا في باب أحمد بن محمّد مطلقا ، وكذا في باب الحسين بن سعيد مع الحسن بن محبوب ، لكنّ الطريق في باب التكرار مختلف فلا بأس بالتكرار إلاّ أنّه كان يمكن ذكر الطريقين مرّة واحدة وهو الأليق ، بل التكرار غير مناسب ، ويأتي مزيد الكلام ، فالعبارة المشار إليها قد ذكرت أحدَ
عشرَ مرّة ، لكن بعد إسقاط التكرار يبقى سبعة ، لكن قد اتّفقت العبارة الأولى أيضا في باب أحمد بن محمّد بن عيسى والحسن بن محبوب.
وبالجملة ، فقد حكى السيّد السند النجفي عن العلاّمة وغيره اتّحادَ مُفاد العبارتين ، وجرى نفسه على أنّ المقصود بالعبارة الأُولى بيان الطريق إلى كلٍّ مِن روايات الراوي المذكور صدرَ المذكورين ، أي المصدَّر به في المذكورين ، والمقصودَ بالعباره الثانيه بيان الطريق إلى بعض روايات الراوي المذكور في الصدر. ۸
وجرى المحقّق الشيخ محمّد في تعليقات الاستبصار في باب «الماءُ القليل يقع فيه النجاسة» على القول باتّحاد المفاد أيضا استنادا إلى أنّه ليس المراد أنّ الطريق لبعض ما رواه صدر المذكورين ، بل المراد أنّ من جملة ما ذكر في الكتاب عن صدر المذكورين هو الطريق المذكور ، فيفيد عموم الطريق لجميع روايات الشيخ عن الصدر ، والحاصل أنّ «مِن» التبعيضيّةَ بالنسبة إلى كتاب الشيخ لا إلى روايات الصدر . ۹
وتظهر الثمرة في كفاية صحّة الطريق في صحّة الحديث بعد صحّة السند المذكور على القول باتّحاد المفاد دون القول بالاختلاف ، فعلى القول بالاختلاف يسقط جميع أخبار الصدر عن درجة الاعتبار ؛ لعدم وضوح الطريق إليه ، أي كون الطريق إليه مجهولاً .
أقول : إنّ الاستناد المذكور على الاتّحاد ، خارج عن طريق السداد ، حيث إنّه قد تعلّق في المقام ظرفان بالفعل ، أعني «ذكرته» فاختصاص التبعيض بالأوّل لابدّ فيه من مستند ، إلاّ أن يدّعى أنّ القرب يرجّح ذلك ، لكنّه لا يقول به قائل ، مع أنّ الترجيح إنّما يتأتّى لو كان الأمر من باب منع الجمع لا منعِ الخلوّ ، والأمر في المقام من قبيل الأخير .
إلاّ أن يقال : إنّ الترجيح كما يطلق ويتأتّى في باب منع الجمع ـ كما لو تردّد خالد في اشتراء كتاب من زيد واشترائه من عمرو ؛ حيث إنّه لو اشترى خالد الكتاب من زيد فربّما يسأل عمرو من خالد عن جهة ترجيح زيد باشتراء الكتاب ـ كذا يطلق الترجيح ، ويتأتّى في باب منع الخلوّ كما لو بنى زيد على ضيافة عمرو وبكر ، مع إمكان الجمع بين عمرو وبكر في الضيافة ؛ حيث إنّه لو أضاف زيد عمرا فربّما يسأل بكر عن جهة ترجيح عمرو بالضيافة . ومنه ترجيح المشهور الجملة الأخيرة من الجمل المتعاطفة بالاستثناء .
وبوجه آخر : إضمار الظرف الأوّل من قوله : «في الكتاب» لا يمانع عن تطرّق التبعيض بالنسبة إلى الظرف الثاني فيتطرّق التبعيض إليه . وما ربّما يقتضيه قوله : «والحاصل» إلى آخره ـ من أنّ عدم تطرّق التبعيض إلى الظرف الثاني بواسطة سبق الظرف الأوّل ، وتطرّق التبعيض إليه ـ ليس بشيء .
وبوجه ثالث : لو قال : «ومن جملة ما ذكرته عن فلان فقد رويته عن فلان» وكان المفروض انحصارَ الظرف المتعلّق بالذكر في فلان ولو على وجه الإضمار ، يكون مفاده التبعيضَ بالنسبة إلى روايات «فلان» المتعلّقِ بالذكر ، ولا مجال لإنكار هذا المقال . فسبق الظرف الأوّل لا يصلح للممانعة عن ذلك بلا شبهة ، بل كلّما تزايد الظرف يتطرّق التبعيض إلى جميع الظروف .
ويوضّح الحالَ : أنّه لو قيل : «بعض ما كتبت في الدار بخطّ الحمرة سورة التوحيد» لا إشكال في دلالته على كون بعض المكتوب في الدار غيرَ سورة التوحيد ، وكذا لا إشكال في دلالته على كون بعض المكتوب بخطّ الحمرة غيرَ سورة التوحيد ، ولا مجال لدعوى انحصار المكتوب بخطّ الحمرة في الدار في سورة التوحيد ، ومع ذلك ، الاستنادُ على اتّحاد المفاد بما ذكر من قبيل المصادرة على المدّعى ، إذ لم يؤخذ فيه أزيدُ من كون المدار على إضمار الكتاب إلاّ أنّ الذكر لابدّ له من محلّ ، وليس محلّ الذكر المذكور في المقام غيرَ الكتاب ، وهو
لا يمانع عن تطرّق التبعيض إلى الرواية .
قوله : «والحاصل إلى آخره» ظاهره يقتضي أنّ الاستدلال يتمّ بدون ذلك ، وإنّما هو من باب مزيد الكلام لا محيص عنه كما هو المتعارف في موارد الاستدلال ، مع أنّ الاستدلال لا يتمّ بدون ذلك .
ومع ذلك ، المقصودُ بالذكر في العبارة الأولى إنّما هو الذكر في الكتاب من ۱۰ اختلاف المفاد بين العبارة الأولى والثانية . ولا فرق بالنسبة إلى الظرف الأوّل ؛ لوضوح أنّ المذكور بعض الروايات المذكورة في الكتاب ، والمدار في الظرف الثاني في العبارة الأولى على العموم ، فلابدّ أن يكون الطرق بالتبعيض في الظرف الثاني من العبارة الثانية .
ومع ذلك يرشد إلى ما ذكرناه ما سمعت من أنّه اتّفقت العبارة الأولى في باب أحمد بن محمّد بن عيسى ، والحسن بن محبوب ۱۱ . والطريق المذكور بالعبارة الأولى غير الطريق المذكور بالعبارة الثانية ، فلا محيص عن التبعيض في الرواية في العبارة الثانية ، ولا مجال للعموم في الموصول في «ما رويتُ» .
ومع ذلك يرشد إلى ما ذكرناه أنّ الشيخ في الفهرست قد ذكر لروايته كتب أحمدبن محمّد بن عيسى ورواياته طرقا ثلاثة ۱۲ غير ما ذكره في مشيخة التهذيبين ، ۱۳ وذكر لروايته كتب أحمد بن محمّد بن خالد ورواياته طريقين ، ۱۴ غيرما ذكره في مشيخة التهذيبين ، ۱۵ وذكر لروايته كتب الفضل بن شاذان ورواياته طرقا ثلاثة ۱۶
غيرما ذكره في مشيخة التهذيبين ، ۱۷ وذكر لروايته كتب الحسن بن محبوب ورواياته طريقين ۱۸ غيرما ذكره في مشيخة التهذيبين . ۱۹
ويمكن أن يقال : إنّ غاية ما يتمشّى من هذا الوجه والوجه السابق إنّما هي عدم انحصار الطريق إلى الصدر في الطريق المذكور في التهذيب أو الاستبصار ، وهو لا ينافي ۲۰ كون الطريق المذكور في التهذيب أو الاستبصار طريقا إلى عموم روايات الصدر.
وبعبارة أُخرى : غاية ما يتمشّى من هذا الوجه والوجه السابق إنّما هو التبعيض في الطريق ، والكلام في التبعيض في الرواية .
إلاّ أن يقال : إنّه لو لم يثبت التبعيض في الرواية فلم يثبت العموم لها ، أي لم يثبت كون الطريق المذكور في التهذيب أو الاستبصار طريقا إلى عموم روايات الصدر ، ۲۱ وفيه الكفاية في عدم كفاية صحّة الطريق المذكور في التهذيب أو الاستبصار في صحّة روايات الصدر .
1.التهذيب ۱۰ : ۴۲ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۰۶ ، سند الكتاب .
2.التهذيب ۱۰ : ۴۴ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۰۷ ، سند الكتاب .
3.التهذيب ۱۰ : ۴۷ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۱۵ ، سند الكتاب .
4.التهذيب ۱۰ : ۵۲ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۱۸ ، سند الكتاب .
5.التهذيب ۱۰ : ۶۶ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۲۷ ، سند الكتاب .
6.التهذيب ۱۰ : ۷۳ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۲۵ ، سند الكتاب .
7.كذا في نسخة «ح» وكلمة «بمحمّد» ليست في «د» . والأنسب أن يقول : «غير مقيّد بالجدّ» .
8.رجال السيّد بحر العلوم ۴ : ۸۲ .
9.استقصاء الاعتبار ۱ : ۱۸۴ ، باب الماء القليل يقع فيه النجاسة .
10.كذا في النسخ .
11.التهذيب ۱۰ : ۴۲ و ۵۲ ، من المشيخة .
12.الفهرست : ۲۵ / ۶۵ .
13.التهذيب ۱۰ : ۴۲ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۰۶ ، سند الكتاب .
14.الفهرست : ۲۰ / ۵۵ .
15.التهذيب ۱۰ : ۴۴ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۰۷ ، سند الكتاب .
16.الفهرست : ۱۲۴ / ۵۵۲ .
17.التهذيب ۱۰ : ۴۷ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۱۵ ، سند الكتاب .
18.الفهرست : ۴۶ / ۱۵۱ .
19.التهذيب ۱۰ : ۵۶ ، من المشيخة ؛ الاستبصار ۴ : ۳۱۸ ، سند الكتاب .
20.قد سقط من النسخة الخطّيّة «د» من وسط التنبيه السابع إلى هنا .
21.في «د» : «الصدور» .