الستّون : [ صدر المذكورين قد يكون ثنائيا أو ثلاثيا ]
أنّ الغالب في الفقيه والتهذيب اتّحاد صدر المذكورين ، لكن قد اتّفق في الفقيه كون صدر المذكورين من غير الواحد غيرَ واحد بأن كان صدر المذكورين ثنائيا ، لكن لم يخرج الثنائي عن الاثنين .
وبعبارة أُخرى : كان المثنّى من باب المثنّى ؛ حيث إنّه قد ذكر الطريق تارة إلى محمّد بن حمران وجميل بن درّاج ، ۱ لكنّه ذكر الطريق إلى محمّد بن حمران ۲ أيضا . وأُخرى إلى أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ، ۳ لكنّه ذكر الطريق إلى كليب الأسدي ۴ أيضا .
واتّفق في التهذيبين كون صدر المذكورين غيرَ واحد في ثلاث طرق ، إلاّ أنّ الأمر في غير واحد من باب التكرار لاتّحاد ۵ غير الواحد في غير الواحد ؛ حيث إنّه ذكر الشيخ الطريق إلى الحسن بن محبوب والحسين بن سعيد مرّتين ۶ كما يظهر ممّا يأتي ، وذكر أيضا الطريق إلى محمّد بن الحسن بن الوليد ۷ وعليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه ، وهو والد الصدوق . ۸
ولا يذهبْ عليك أنّ الطريق فيما ذكر إنّما هو إلى مجموع غير الواحد لا إلى كلّ واحد من غير الواحد ، ولو قلنا بأنّ المقصود فيما لو قيل : أعطيت زيدا وعمرا بدرهم ، أو أعط زيدا وعمرا بدرهم ، أو لاتعط زيدا وعمرا بدرهم هو إعطاء كلّ واحد من زيد وعمرو بدرهم في المثالين الأوّلين ، والنهيُ عن إعطاء كلّ واحد من زيد وعمرو بدرهم في المثال الأخير ، فإعطاء زيد وعمرو بدرهم مسكوت عنه في كلّ من الأمثلة الثلاثة ، بشهادة أنّ ما وقع من غير الواحد في صدر المذكورين في الروايات (هو غير الواحد أعني المثنّى ، ولو كان الطريق إلى كلّ واحد من غير الواحد ، لصدّروا المذكور في الروايات) ۹ بواحد ثمّ واحد من غير الواحد ، أي كلّ واحد من غير الواحد ، لا بغير الواحد .
وربّما يقتضي ما تقدّم ـ من كلام السيّد السند النجفي ـ أنّ الطريق إلى غير الواحد أعمُّ من الاجتماع والافتراق .
ودونه الكلامُ كما تقدّم .
ثمّ إنّه لو ذكر الطريق إلى واحد أو كلّ واحد من غير الواحد ، فاعتبار الطريق إلى غير الواحد لا يكفي في اعتبار الطريق إلى الواحد أو كلّ واحد من غير الواحد .
ويظهر الوجه بما تقدّم في عكس ذلك ، أعني ما لو اتّفقت الرواية عن الجماعة ، وعن آحاد الجماعة ، ولم يذكر الطريق إلى الجماعة ، لكن ذكر الطريق إلى الآحاد .
ثمّ إنّه قد اتّفقت لفظة «غير واحد» في بعض الأسانيد ، وقد حرّرنا الكلام فيه في الأصول في بحث المرسل ، لكن قال المقدّس في المجمع في بحث الحيض : «قوله : «عن غير واحد» كأنّه يدلّ على نقله عن كثير ، فلا يبعد العمل بها» . ۱۰
وقال في الذخيرة عند الكلام فيما لو نسي تعيين الصلاة الواحدة الفائتة :
وقوله : «عن غير واحد من أصحابنا» ـ يعني في رواية عليّ بن أسباط ـ يدلّ على تعدّد الرواية وظهورِ صحّة الخبر عنده . ومثل هذا الكلام عند ضعف الرواة وعدم صحّة التعويل على نقلهم لا يصدر عن الثقات الأجلاّء ؛ لما فيه من التلبيس الواضح .
وغرضه أنّ المرسِل لو كان ثقة لا يعبّر ب «غير واحد من أصحابنا» إلاّ في صورة اعتبار الخبر عنده ؛ لظهور التعبير المذكور في اعتبار الرواية عند المرسل ، وإلاّ يلزم التدليس . ۱۱
وأنت خبير بأنّ دعوى الظهور المذكور محلّ الإشكال ، سواء كان الظهور مستندا إلى نفس رواية العدل أو تعبيرِه ب «غير واحد» بل على الأوّل يلزم أن يكون رواية العدل تعديلاً للمرويّ عنه .
وربّما يرشد إلى كون المراد ب «غير واحد» جماعةً أنّه روى في التهذيب في باب بيع الغرر والمجازفة عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، ۱۲ بل روايةُ الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان كثيرة .
وروى في التهذيب في الباب المذكور عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن جعفر والميثمي والحسن بن حمّاد ، عن أبان . ۱۳
بل مثله قد اتّفق في أسانيد أُخرى على ما يظهر من المحدّث الحرّ في الفائدة الثالثة من الفوائد المرسومة في آخر الوسائل . ۱۴
بقي أنّه ربما يتوهّم كون صدر المذكورين من باب الجماعة فيما ذكره الشيخ في مشيخة التهذيبين بقوله : «وما ذكرته عن الحسين بن سعيد ، عن زرعة ، عن سماعة وفضالة بن أيّوب والنضر بن سويد وصفوان بن يحيى فقد رويته بهذه الأسانيد ، عن الحسين بن سعيد عنهم» ۱۵ تعويلاً على كون «فضالة» معطوفا على الحسين بن سعيد ، وكذا النضر بن سويد وصفوان بن يحيى بناءً على كون المتعاطفات معطوفةً على المعطوف عليه .
ويندفع بأنّ «فضالة» معطوف على «زرعة» بشهادة قوله : «فقد رويته بهذه الأسانيد عن الحسين بن سعيد عنهم ؛ حيث إنّه لو كان «فضالة» معطوفا على الحسين بن سعيد ، لقال : فقد رويته بهذه الأسانيد عنهم ، فالأمر من باب الابتداء بالواحد ، وصدرُ المذكورين متّحد .
1.الفقيه ۴ : ۱۷ ، من المشيخة .
2.الفقيه ۴ : ۸۹ ، من المشيخة .
3.الفقيه ۴ : ۵۲ ، من المشيخة .
4.الفقيه ۴ : ۱۱۲ ، من المشيخة .
5.في «ح» : «لا اتّحاد» .
6.التهذيب ۱۰ : ۵۶ و ۶۳ ، من المشيخة .
7.التهذيب ۱۰ : ۷۳ ، من المشيخة .
8.التهذيب ۱۰ : ۷۵ ، من المشيخة .
9.ما بين القوسين ليس في «د» .
10.مجمع الفائدة والبرهان ۱ : ۱۴۸ .
11.ذخيرة المعاد : ۳۸۴ .
12.التهذيب ۷ : ۱۲۴ ، ح ۵۴۴ ، باب بيع الغرر والمجازفة .
13.التهذيب ۷ : ۱۲۳ ، ح ۵۳۶ ، باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة وما يجوز من ذلك .
14.الوسائل ۲۰ : ۳۲ .
15.التهذيب ۱۰ : ۶۶ ، من المشيخة .