فائدة
[ في عطف المفرد على المفرد ]
عطف المفرد على المفرد ـ كما فيما ذكر من الابتداء بغير واحد ، أعني كون صدر المذكورين من باب غير الواحد ـ يقتضي إناطة الحكم باجتماع المفردين المتعاطفين ، أو يقتضي استقلال كلّ من المفردين في تعلّق الحكم إليه . ۱ مثلاً لو قيل : أعط زيدا وعمرا بدرهم فهل يقتضي العطف إعطاء الدرهم إلى زيد وعمرو معا ، فلكلّ واحد منهما نصف درهم ، أو يقتضي إعطاء الدرهم إلى كلّ واحد من زيد وعمرو بالاستقلال؟
والظاهر الاتّفاق على الاستقلال لو قيل بالإضمار أعني إضمار العامل في
المعطوف عليه للمعطوف بأن صار الأمر من باب عطف الجملة على الجملة كأن أُضمر لفظ «أعط» عاملاً لعمرو في المثال المذكور ، وهو ـ أعني الاتّفاق المذكور ـ مقتضى التعليل الآتي من الشيخ ، فالنزاع إنّما يتأتّى لو قيل بكون العامل في المعطوف هو العاملَ في المعطوف عليه ، أو قيل بكون العامل في المعطوف هو الواوَ .
ومقتضى بعض كلمات ابن هشام في المغني في فاتحة الواو المفردة الاتّفاق على كون الأمر في الباب ـ أعني عطف المفرد على المفرد ـ على الخلوّ عن الإضمار . ۲
لكن قال الشهيد في التمهيد نقلاً :
إذا قلت : قام زيد وعمرو ، فالصحيح أنّ العامل في الثاني هو العامل في الأوّل بواسطة الواو ، ۳ وثاني الأقوال أنّ العامل فعل آخَرُ مقدّر بعد الواو ، ۴ والثالث أنّ الواو نفسَها قامت مقامَ فعلٍ آخَرَ . ۵
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة ما إذا حلف أن لا يأكل هذا الرغيف وهذا الرغيف ، فعلى الأوّل لا يحنث إلاّ بأكلهما جميعا ، كما لو عبَّر بالرغيفين ، وعلى القول بأنّه مقدّر يكون كلّ منهما محلوفا عليه بانفراده ، فيحنث بأكل كلّ منهما ، وكذا على الثالث . ۶
وبالجملة ، فمقتضى ما عن الشيخ ـ من أنّه لو قال : لاكلّمت زيدا وعمرا ، فكلّم أحدهما حَنَثَ ؛ تعليلاً بأنّ الواو تنوب مَناب الفعل ۷ ـ هو
القول بالثاني .
ومقتضى ما صنعه المحقّق في الشرائع ـ حيث جرى على أنّه لو قال : لا أكلت هذا الخبز وهذا السمك ، لا يحنث إلاّ بأكلهما ؛ تعليلاً بأنّ الواو للجمع ، فهي حينئذٍ كألف التثنية ۸ ـ هو القول بالأوّل .
وهو مقتضى صريح الشهيد في الدروس في كتاب اليمين قال : «قاعدة : الجمع بين شيئين أو أشياءَ بواو العطف يصيّر كلَّ واحد منهما مشروطا بالآخر ، قضيّةً للواو ، فلو قال : لا أكلت الخبز واللحم والفاكهة أو لا آكلها ، فلا حنث إلاّ بالثلاثة ولا برّ إلاّ بها» . ۹
وكذا ما سمعت من كلام الشهيد في التمهيد .
ويقتضي القول بذلك ما أورد به صاحب المدارك على الاستدلال على كون الوضوء واجبا غيريّا بقوله عليه السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» ۱۰ حيث إنّ المشروط ينعدم عند عدم الشرط ، بأنّ المشروط وجوب الطهور والصلاة معا وانتفاء هذا المجموع يتحقّق بانتفاء أحد جزءيه ، فلا يتعيّن انتفاؤهما . ۱۱
وغرضه أنّ المشروط وجوب مجموع الطهور والصلاة ، فمقتضى انتفاء المشروط بانتفاء الشرط هو انتفاء المجموع قبل الوقت ، لا انتفاءُ كلّ من الأمرين ، فغاية الأمر ثبوت عدم وجوب الطهور والصلاة معا قبل الوقت ، ولا يثبت انتفاؤهما حتّى يثبت عدم وجوب الوضوء ، فالأمر على ذلك من باب الاستغراق المجموعي .
ويمكن أن يكون الأمر من باب الاستغراق الأفرادي ، كما هو صريح الذخيرة ، ۱۲ لكنّه خلاف الظاهر .
إلاّ أن يقال : إنّه على تقدير وجوب الطهور والصلاة معا يكون كلّ منهما واجبا على حِدَةٍ ولو كان وجوب الطهور للصلاة ، وليس الطهور والصلاة واجبين بوجوب واحد بوحدة شخصيّة ، نظير ما لو قيل : أعط زيدا وعمرا درهما ، وكان الواجب إعطاءَ زيد وعمرو معا درهما ، فالأمر من باب الاستغراق الأفرادي .
نعم ، لو كان الأمر من باب الاستغراق الأفرادي ، يصلح المقصود بناءً على كون النفي في المفهوم راجعا إلى القيد ، ۱۳ ويكون الأمر من باب سلب العموم .
لكنّ الأظهر أنّ النفي في المفهوم لا يرجع إلى القيد ، بل يرجع إلى القيد والمقيّد ، فالنفي الوارد على العموم لعموم السلب بالنسبة إلى الأفراد لو كان العموم من باب الاستغراق الأفرادي ، وبالنسبة إلى الأجزاء لو كان العموم من باب الاستغراق المجموعي .
وربما يعبّر عن الإيراد المذكور بأنّ قوله عليه السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» ۱۴ كما يحتمل أن يكون الجزاء فيه كلاًّ من المعطوف والمعطوف عليه بتقديم الربط على العطف ، كذا يحتمل أن يكون الجزاء فيه كليهما معا بتقديم العطف على الربط كما في قولهم : «وأنواعه : رفع ونصب وجرّ» .
ومن ذلك قول الشاعر :
كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي وإذا ما لُمْتُه لمته وحدي۱۵
وعلى الأوّل يكون المفهوم أنّه إذا لم يدخل الوقت لم يجب الطهور ولم تجب الصلاة . وعلى الثاني أنّه إذا لم يدخل الوقت لم يجب الطهور والصلاة معا ، فلا ينافي وجوب الطهور بانفراده في خارج الوقت .
ومرجعه إلى احتمال اشتراط اجتماع كلّ من المفردين المتعاطفين في تعلّق الحكم واستقلال كلّ منهما فيه ، بخلاف الإيراد المتقدّم ؛ فإنّ المرجع فيه إلى دلالة العطف على اشتراط الاجتماع ، لكنّه مبنيّ على رجوع النفي في المفهوم إلى القيد برجوع النفي إلى الاجتماع في المقام ، كما هو الحال في الإيراد المتقدّم ، لكن رجوع النفي إلى الاجتماع يقتضي ثبوت وجوب الطهور أو الصلاة قبل الوقت ، ولا يتأتّى احتمال انتفاء وجوب كلّ من الطهور والصلاة ، إلاّ أنّ الأظهر عدم رجوع النفي إلى الاجتماع فيتعيّن انتفاء وجوب كلّ من الطهور والصلاة .
ويقتضي القول بذلك أيضا ما جرى عليه المحقّق القمّي وبعض من تأخّر عنه في باب الترجيح من أنّ المدار في قوله عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما» ۱۶ على الزيادة في العدالة والفقاهة والصادقيّة والورع . ۱۷
فالمرجّح أمر واحد لا الزيادة في كلّ من الأمور المذكورة ، فيكون المرجّح أُمورا أربعة .
ومقتضى ما عن الشيخ ـ من أنّه لو قال : لاكلّمت زيدا وعمرا ، فكلّم أحدهما
حنث ؛ تعليلاً بأنّ الواو تنوب مناب الفعل ـ هو القول الثاني .
وكيف كان ، فالحقّ في المقام أنّ الإضمار في المضمار خلاف الظاهر ، ولا داعي إلى ارتكابه ، لكنّ الظاهر في مثل أعط زيدا وعمرا هو استقلال كلّ من زيد وعمرو في وجوب الإعطاء إليه مع فرض خلوّ الكلام عن الإضمار . نعم ، قد يكون الأمر مبنيّا على الإناطة كما لو قيل : الاءسكنجبين : هو الخلّ والسكّر ، والبيت : السقف والجدران ، وأنواع الإعراب : الرفع والنصب والجرّ ، لكن هذا من جهة قيام القرينة الخارجيّة .
وعلى ذلك المنوال الحالُ في تحديد الكلّ بأجزائه نحو : الكرّ : ألف ومائتا رطل ، والوضوء غسلتان ومسحتان ، وغير ذلك ، بخلاف تحديد الكلّي بأفراده نحو : الكلمة : اسم وفعل وحرف ، والطهارة : وضوء وغسل وتيمّم إذا قصد به التحديد لا التقسيم ، ومن ذلك تحديد المسافة في التقصير ببريد ذاهب وبريد جاءٍ كما هو مقتضى بعض الأخبار . ۱۸
ثمّ إنّه لو قيل : لا آكل اللحم ولا الخبز ، فهل يتأتّى الحنث بأكل اللحم أو الخبز على القول بعدم الحنث لو قيل : لا آكل اللحم والخبز ـ بناءً على كون الأمر في الباب من باب الإضمار ـ أولا ؛ فالأمر في المثالين المذكورين سواء؟
ربّما يظهر من بعض الكلمات القول بالأوّل ، لكن مقتضى بعض كلمات ابن هشام كون الأمر من باب عطف المفرد على المفرد ، وخلوّ الحال عن الاءضمار . ۱۹ وعلى هذا يتأتّى الحنث بأكل اللحم أو الخبز على الأظهر ، دون ما جرى عليه الشهيد . ۲۰
1.كذا في النسخ والأنسب : «به» .
2.مغني اللبيب ۱ : ۴۶۳ .
3.انظر مختصر المعاني : ۸۱ ، وحكاه عن سيبويه في شرح الكافية ۱ : ۳۰۰ .
4.حكاه عن الفارسي في شرح الكافية ۱ : ۳۰۰ .
5.نقله عن ابن سرّاج في شرح المفصّل ۸ : ۸۹ .
6.تمهيد القواعد : ۵۰۸ ، القاعدة : ۱۸۶ .
7.المبسوط ۶ : ۲۳۱ ، وحكاه عنه الشهيد الثاني في المسالك ۱۱ : ۲۴۱ .
8.شرائع الإسلام ۳ : ۱۳۶ . وانظر المسالك ۱۱ : ۲۴۱ .
9.الدروس الشرعيّة ۲ : ۱۷۰ ، كتاب اليمين .
10.التهذيب ۲ : ۱۴۰ ، ح ۵۴۶ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون .
11.مدارك الأحكام ۱ : ۸ .
12.الذخيرة : ۲ .
13.في «ح» : «المقيَّد» .
14.التهذيب ۲ : ۱۴۰ ، ح ۵۴۶ ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون .
15.البيت لأبي تمام . انظر : الإيضاح في علوم البلاغة ۱ : ۹ ، ودلائل الإعجاز ۱ : ۶۱ و ۶۳ ، وصبح الأعشى في صناعة الإنشاء ۲ : ۲۹۱ .
16.التهذيب ۶ : ۳۰۱ ، ح ۶ ، باب الزيادات في القضايا والأحكام ؛ الكافي ۱ : ۵۴ ، ح ۱۰ ، باب اختلاف الحديث .
17.القوانين المحكمة ۱ : ۴۳۹ ـ ۴۴۰ .
18.التهذيب ۳ : ۲۰۸ ، ح ۴۹۶ ، باب الصلاة في السفر ؛ الاستبصار ۱ : ۲۲۳ ، ح ۷۹۲ ، مقدار المسافة التي يجب فيها التقصير ؛ الوسائل ۵ : ۴۹۴ ، أبواب صلاة المسافر ، باب ۲ ، ح ۲ .
19.مغني اللبيب ۱ : ۴۶۴ .
20.الدروس الشرعيّة ۲ : ۱۷۰ ، كتاب اليمين .