[ تحقيق في أقسام الرواية المفيدة للظنّ ]
وتحقيق الكلام : أنّ الرواية المفيدة للظنّ إمّا برواية واحد عن واحد كما هو المتعارف ، أو واحدٍ عن جماعة ، أو جماعةٍ عن واحد ، أو جماعة عن جماعة .
وعلى الأخير إمّا أن تكون الرواية على سبيل الاستغراق أو التوزيع بحسب الآحاد .
وعلى تقدير الاستغراق إمّا أن يكون التعبير عن الجماعة المروى¨ّ عنهم على سبيل التفصيل أو الإجمال .
وعلى كلّ من تقديري الاستغراق والتوزيع إمّا أن تكون الرواية في مجلس واحد أو مجالسَ متعدّدةٍ .
والقسم الأوّل أدنى الدرجات في إفادة الظنّ ، والقسم الأخير أعلى الدرجات في ذلك ، وهو فوق الاستفاضة ؛ إذ المدار في الاستفاضة على رواية جماعة عن جماعة على سبيل التوزيع ، والاستغراقُ في صورة تعدّد المجلس أقوى ظنّا منه في صورة اتّحاد المجلس ، وهو أقوى ظنّا أيضا من التوزيع في صورة تعدّد المجلس فضلاً عن صورة الاتّحاد . ولعلّ الاستغراق تفصيلاً في صورة تعدّد المجلس أقوى منه إجمالاً في هذه الصورة . ولعلّ التوزيع في صورة تعدّد المجلس تفصيلاً أقوى منه في صورة اتّحاد المجلس .
وأمّا رواية واحد عن جماعة وعكسُه فهما متساويان في إفادة الظنّ .
وأمّا لو روى واحد عن جماعة عن واحد ـ ومنه صحيحة الفضلاء المعروفة المصطلحة من صاحب المدارك ـ فالظاهر أنّ توسّط الجماعة لا يوجب قوّة
الظنّ ؛ إذ الموجب لها إنّما هو التعدّد في جانب العلو أو السفل ، والمفروض هنا إنّما هو الاتّحاد سفلاً وعلوا .
ولا يذهبْ عليك أنّ ما ذكرنا في رواية الجماعة عن الجماعة إنّما هو فيما لو كان الجماعة المرويّ عنهم متّحدةً ، وأمّا لو كانت مختلفة فلابدّ فيه من التوزيع بحسب الجماعة لا الآحادِ ، كما هو الحال في التوزيع المتقدّم ، كما يظهر ممّا مرّ .
لكن يمكن أن تكون الرواية تفصيلاً ، وأن تكون إجمالاً ، ولعلّ التفصيل أقوى في إفادة الظنّ من الإجمال .
وبما ذكرنا يظهر أنه لو روي العامّ بطرق متعدّدة في مجالسَ متعدّدةٍ ، وروي الخاصّ بطريق واحد ، يقدّم العامّ ؛ لكون الظنّ بالعموم أقوى من الظنّ بالتخصيص أي يتحرّك الظنّ إلى جانب العامّ ؛ إذ ارتكاب خلاف الظاهر نظير الكذب ، وكما أنّ الكذب في صورة تعدّد المجلس أبعدُ منه في صورة اتّحاد المجلس ، فكذا ارتكاب خلاف الظاهر ، فلو تعدّد المجلس في باب العامّ ، يصير التخصيص بعيدا ويظهر العموم ، وأمّا مع اتّحاد المجلس ، فلا ريب أنّ زيادة الطريق وجودها كعدمها ، ولا توجب قوّة في ظهور العموم ، فظهور التخصيص بحاله ، لكن في المقام قول بتقديم العامّ مطلقا ، وقول بتقديم الخاصّ مطلقا . وقد حرّرنا الكلام في محلّه .
ويمكن أن يقال : إنّه لو روي الخاصّ بطريق واحد عن الإمام عليه السلامفي مجالسَ متعدّدةٍ ، لا يكون الظنّ بالتخصيص فيه أولى من الظنّ بالعموم المرويّ عن الإمام عليه السلام بطرق متعدّدة ؛ إذ المدار على بُعْد خلاف الظاهر في مجالس متعدّدة ، ولا فرق بين تعدّد الراوي ووحدته .
إلاّ أن يقال : إنّ احتمال الاشتباه في رواية العامّ من الراوي في صورة تعدّد الراوي أبعدُ من احتمال اشتباه الراوي في رواية الخاصّ عن الإمام عليه السلام في مجالس متعدّدة ، فيقدّم العامّ .
إلا أن يقال : إنّه لو كان تعدّد المجالس ـ المرويّة في رواية الخاصّ ۱ ـ أضعافا مضاعفة بالنسبة إلى تعدّد طريق العامّ ـ كما لو روي العامّ ۲ بطرق ثلاثة وروي العامّ بطريق واحد لكن روى الراوي عن الإمام عليه السلامبيان الخاصّ مائة مرّة ـ فيتحرّك الظنّ إلى جانب العامّ وإن اتّحد طريق روايته ؛ إذ غاية الأمر احتمال الاشتباه من راوي الخاصّ بالنسبة إلى بعض المجالس ، لكنّ الباقي أكثر من طرق رواية العامّ كثرةً معتدّا بها ، فيتحرّك الظنّ إلى جانب الخاصّ اءن اتّحد طريق روايته ؛ اءذ غاية الأمر احتمال الاشتباه من راوي الخاصّ بالنسبة إلى بعض المجالس ، لكنّ الباقي أكثر من طرق رواية العامّ كثرة معتدّا بها ، فيتحرّك الظنّ إلى جانب الخاصّ .
إلاّ أن يقال : إنّ المفروض في المقام اتّحاد الرواة عن راوي الخاصّ فيتحرّك الظنّ إلى جانب العامّ بتعدّد رواته طبقة بعد طبقة وإن روى راوي الخاصّ عن الإمام عليه السلام بيان الخاصّ في غاية الكثرة ؛ قضيّةَ أنّ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين . نعم ، لو روى جماعة قليلة عن الإمام عليه السلام بيان العامّ ، وروى واحد عنه عليه السلام بيان الخاصّ ، غاية الكثرة يتحرّك الظنّ إلى جانب التخصيص .
وبما مرّ يظهر أيضا أنّه لو اتّفق تصحيح سند من بعض الفقهاء المتأخّرين ـ مع اشتمال السند على مجهول ـ مرّاتٍ متعدّدةً ، يحصل الظنّ بصحّة حديث ذلك المجهول ، لو قيل بعدم حصول الظنّ بصحّة حديثه لو كان التصحيح مرّة واحدة ، ويكون الظنّ بصحّة حديثه أقوى منه لو اتّفق التصحيح مرّة واحدة ، لو قيل بحصول الظنّ بصحّة حديثه لو كان التصحيح مرّة واحدة . ولو اتّفق من البعض المذكور تصحيح أسانيدَ متعدّدةٍ مشتملةٍ على المجهول ، يكون الظنّ بصحّة حديثه أقوى منه في الصورة الأولى ، ومزيد الكلام موكول إلى الرسالة المعمولة في تصحيح الغير . ۳
1.كذا والمراد من المعترضة : المروي فيها رواية الخاص .
2.كذا في النسخ ، والصحيح : «الخاصّ» .
3.كلّ مطالب التنبيه السابع والتسعين إلى التنبيه الثاني والمائة قد سقطت من نسخة «د» .