رسالة في علم الرجال - صفحه 458

كتب من تقدّم علينا ـ أنّ القدماء كان طريقهم في العمل بالأخبار ملاحظة احتفافها بالقرائن الدالّة على صدق الصدور علما أو ظنّا يطمئنّ به و يعتمد عليه، و يجعلون الصحيح عبارة عمّا وثق به و اعتمد عليه و يركن إليه، سواء كان الراوي إماميّا أو غيره، عادلاً أو غيره، و ما سواه ضعيفا.
لا يقال: كيف يجتمع هذا مع إجماع الشيخ رحمه اللهعلى اعتبار العدالة في الراوي في العمل بخبر الواحد.
لأنّا نقول: إنّ هذا الإجماع لا ينافي ما ذكرنا؛ إذ ذلك بالنظر إلى جواز العمل بخبر الواحد من حيث هو، مع قطع النظر عن القرائن الخارجيّة، و في الحقيقة إنّ عملهم على خبر الواحد موقوف على انضمام القرينة، داخليّةً كانت كأوصاف الراوي، أو خارجيّةً كسائر القرائن التي قد سبقت الإشارة إلى جملة منها، و هي كانت كثيرة عندهم. و لمّا وصلت النوبة إلى المتأخّرين وجدوا القرائن التي كان مدار عمل القدماء عليها مختفيةً إلّا القرائن الداخليّة، فانظروا إلى تنويع الأخبار بملاحظة حال الرواة لانضباطها و عدم اختفائها؛ إذ لا يجوز العمل باعتبار القرائن المجملة لاختلاف القرائن بحسب نظر الناظرين و آراء المجتهدين، فالعمل على الخبر باعتبارها تقليد على الغير، و هو منهيّ عنه كتابا و سنّة.
و ثانيهما: في بيان سبب التنويع إلى الأربعة، مع أنّها متنوّعة عند القدماء على قسمين، و كان سبب ذلك أحد أمرين:
الأوّل: أنّ الصحيح عبارة عمّا عدا الضعيف عند المتأخّرين أيضا، و التنويع المذكور إشارة إلى اختلاف مراتب الصحّة، و يثمر ذلك في مقام التعارض و نحوه.
و الثاني: ملاحظة مذهب أرباب العاملين بالأخبار؛ لوجود الخلاف بينهم في شروط العمل بالأخبار.
و الظاهر هو الثاني.

صفحه از 478